الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية تُوفي إثر سقوط طائرته في منطقة العشوش برمادة: النقيب بجيش الطيران مهدي البوبكر بقي حاضرا في قلوب رفاقه

نشر في  09 نوفمبر 2020  (16:14)

شهر مضى على وفاة النقيب في جيش الطيران مهدي البوبكر (رائد بداية من جانفي 2021) في حادثة سقوط طائرة حربية بالعشوش برمادة من ولاية تطاوين، وهي الأشنع في تاريج الجيش الوطني بعد 2011.

حادث تعاملت معه وزارة الدفاع الوطني كحادث عرضي ومنه كان التعاطي الإعلامي ضعيفا الأمر الذي دفع بموقع الجمهورية إلى العودة عليه مجددا تخليدا لروح الشهيد.

بحثنا كثيرا لنصل إلى أحد أصدقائه المقربين مهنيا واجتماعيا، رحلتنا دامت أسبوعين ونحن نتنقل بين المصادر حتى نجحنا في تحديد موعد مع أحدهم، وبعد حديث مطول عدنا من خلاله على الحادثة الأليمة، تنهد محمد (اسم مستعار) قائلا "ساعات قبل إقلاعه من مطار صفاقس العسكري تحدثنا قليلا وضحكنا كثيرا، ولكن إنتهى كل شيء في لحظات".

كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر صباحا، عندما إتصل أحد العاملين بالرادار العسكري مؤكدا فقدان الإتصال بالنقيب البوبكر ليأتي الخبر من أحد زملائه برمادة باكيا وتأكد الحادث بعد إذاعة الخبر إعلاميا.

كان وقع الصدمة في صفوف عناصر جيش الطيران لا يوصف وفق محمد وخاصة منهم الطيارون الذين يعدون من النخب في تونس بالإستناد الى المقاييس المطلوبة لقبولهم في الأكاديمية وطول فترة التكوين ليكون طيارا قادرا على سياقة طائرة F5، وهو الطراز الحربي الوحيد من نوع نفاثة التابع لوزارة الدفاع الوطني.

يعد الفقيد من المتفوقين في مجال الطيران الأمر الذي أهلّه للتوجه إلى إختصاص طائرة نفاثة بعد سنوات من التكوين والتدريب إنطلقت في 2004 وتم توجيهه في 2015 إلى بنزرت ليتسلم مهامه رسميا في 2017 كقائد طائرة بالوحدة الجوية 15.

ويضطلع الفقيد كغيره من طياري هذا الطراز بمهمة مراقبة المجال الجوي التونسي كاملا ويتحرك وفق النداء المطلوب، إذ يطالبون بالتحليق مهما كانت وضعياتهم وظروفهم، فتلبية النداء واجب لا يحتمل التأخير او المماطلة، لذلك يتميز عناصر هذه الوحدة بالمهنية العالية.

النقيب مهدي هو من مواليد تونس العاصمة ويقيم بها، تزوج في 2018 وأب لطفلة صغيرة، عرف بعلاقته الجيدة والمتينة بأصحابه وخاصة زملائه، كما وصف لنا ذلك محمد فهو يجمع بين المهنية والحرفية وروح الدعابة والبساطة.

كان الفقيد صاحب خلق و"نكتة" كما ذكر لنا، وقد تقاسم معه أصحابه ورفاقه لحظات لا تنسى " السيد مخلي وراه برشا ضحكات وأحيانا نتذكر ضحكاته وكلماته ونعاود كلماته المضحكة، نعاودوها ونحنا نبكييو"، سكت وأدار وجهه وكأنه أراد البكاء وسرعان ما إستجمع قوته مجددا وواصل حديثه.

فهمنا من نبرة محدثنا وطريقة وصفه لرفيقه أن مهدي شخصية لا يمكن تعويضها وأنّ الطباع الجميلة التي ربما فقدناها في زمننا هذا لا يمكن أن تتحسسها مجددا في أخرين، فالموت السريع في مهنة تصنف بالخطيرة قد يلقي بظلاله بين عناصر الجيش الوطني ويبقى حبهم للوطن خير سند، هكذا نؤمن بهم نحن المدنيون.

في حادثة الـF5، رحل مهدي وانتهت معه الحقيقة

تحول النقيب مهدي إلى ولاية صفاقس ليلة الحادثة لقيادة الطائرة صباحا نحو المطار العسكري بقابس وجاءته مهمة طلعة جوية حدودية يوم الثلاثاء 6 أكتوبر ومن ثمة العودة إلى قابس، وهي من بين الطلعات الروتينية والعملياتية بالفضاء الجوي الحدودي بتطاوين، ولكن قدره قاده إلى العشوش أين سقطت الطائرة، تاركا وراءه ذكريات وأوجاعا لن تمحى، وفق قول محدثنا.

يخضع طيارو الطائرات النفاثة لتكوين وتدريب عميق سواء تقنيا أو مهنيا وكل القائدين يدركون جيدا كيفية التصرف حيال حادث عرضي لإنقاذ أنفسهم، ما حدث للنقيب مهدي بقي إلى اليوم محل تحقيق عسكري لفهم الدقائق التي سبقت سقوط الطائرة وما حدث لحظة تحطمها.

وأفاد محدثنا أن مقدمة الطائرة بقيت سليمة وهو ما يؤكد بنسبة كبيرة أن الفقيد حاول إنقاذها وبالتالي إنقاذ نفسه دون اللجوء إلى رمي نفسه عبر كرسيه- وهو ما يسمى Siège éjectable- مشيرا إلى أنّ العقيدة العسكرية التي يتشبع بها العسكري منذ قبوله بالأكاديمية تجعله في لحظات يفكر في إنقاذ طائرته كقطعة منه ويبقى لأخر لحظة وهو يصارع بين قوة الإنجذاب إلى الأرض وبين عودة التوازن جويا ولكن الموت كان الأقرب.

ويتابع محمد في وصفه لمهدي "مهدي كان مهووسا بقيادة الطائرة النفاثة وكان في كل مرة يطلب من القائد المباشر تمكينه من الطيران في صورة إذا تعذر على أحدهم التحليق... كانت قيادة الطائرة شغفه الوحيد". وبين الفخر بوطنية النقيب مهدي البوبكر ولوعة الفقدان، غادرنا محمد وحمل معه ذكريات زميله ورفيق دربه على أمل أن لا تتكرر مثل هذه الحوادث المؤلمة.

نعيمة خليصة