الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بعد "صبحية" في المحكمة الابتدائية بمدنين: تونس بحاجة الى ثورة ادارية وأخلاقية

نشر في  11 نوفمبر 2020  (13:53)

 منذ اعلان الاجراءات الصحية الجديدة توقيا من فيروس كورونا المستجد ونظام العمل بالأفواج، تعمقت معاناة المواطن مع الادارة وبات الخوف من قضاء شؤونه يرعبه.

كان الصف طويلا، مجرد رؤيته وانت تخطو بثقل نحوه يشعرك بصراع داخلي بين قوتين الأولى تدعوك الى عدم مواصلة الطريق والثانية تؤكد لك أنه لا مفر لك من هذا الصف الطويل والمزدحم. الصف كان قبالة المحكمة الابتدائية بمدنين، محكمة في أول طريق تطاوين أين يتركز ثقل الحركة فهو شارع لا يهدأ ويعد وجهة مئات المواطنين يوميا ممن يأتون الى المحكمة في كل الأوقات ومن مختلف معتمديات الولاية التسع.

تحولنا الى المحكمة في محاولة لنقل يوميات مواطن في صف يضم العشرات من الناس يتسارعون من أجل من أجل الظفر بالأولوية. الساعة 8.25 صباحا، أخذت مكاني في آخر الصف، على ما يبدو ترتيبي 30، المواطنون متكؤون على الجدار، هذا يتفحص هاتفه والاخر يتحدث مع صديقه، ومن هناك على قارعة الطريق شيخ متكئ على عكازه، عمره يترجمه تقوس ظهره وبجانبه امرأة تشكو حالها لعون أمن كان يقف غير بعيد عن المدخل الصغير للمحكمة...

فتح الباب، وخرج أحد العملة وأشار بيده الى الناس للابتعاد قصد التعقيم، لم تعجبني الحركة ومع ذلك استبشرت خيرا في البداية لحرصه على سلامة المواطنين ولكنه اكتفى بتعقيم المدخل اين يقف وزملائه ودخل غير عابئ بتعقيم بقية المكان أين يقف عامة المواطنين دون احترام التباعد الجسدي.

بدأ المواطنون في التقدم خطوة خطوة، ومع اقترابي لاحظت أنّ المكلفين بإدخال المواطنين هم عملة كما أن طريقة الاستفسار عن شؤونهم قبل السماح لهم بالدخول فردا فردا كانت تجري من وراء سياج وعلى مسمع الجميع حتى أنني في لحظات عرفت سبب قدوم هذه المرأة، والخدمة التي يريدها هذا الرجل ولكن صدمت عندما رأيت أحدهم يقدم شكاية من وراء القضبان ويتسلمها عنه شخص لا علاقة له بالعمل الاداري ويختمها ويضعها في علبة كرتونية حتى أنني لم أستوعب فكرة أن الشكايات تقدم بهذا الشكل.

داخل المحكمة: رحلة ضياع

بعد انتظار لربع ساعة سمح لنا بالدخول، ومن هنا يبدأ التأزم حيث أنّ المعلومة صعبة المنال ويستحيل أحيانا أن تجد المكتب المعني بقضاء حاجتك. تحولت الى شباك الشكايات، هناك بقيت انتظر من سيرشدني، كان بالمكتب امرأتان، واحدة على الاعلامية واخرى غادرته واخذت معها مواطنة، واضطررت الى ان أسئل "الحاجب" عن كيفية معرفة مآل محضرين سابقين في علاقة بعمل صحفي فأعادوني مجددا الى نقطة البداية، الى الشباك رقم8، هنا تمكنت بسهولة من أخذ رقم الملف وتوجهت الى مكتب الادعاء..

رحلة البحث عن مكتب الادعاء طالت 5 دقائق قمت فيها بجولة بين الأروقة أبحث عنه الى أن أرشدني أحدهم الى مكتب الضبط العدلي، هنا ثلاثة مكاتب كلها ملفات وأوراق، وللوهلة الاولى انتابني شعور غريب للكم الهائل من الملفات وكثرة الوثائق، الى ان قاطعتني الموظفة بوجه بشوش "على الأقل" ومكنتني من معلومة واضحة وطلبت مني لقاء وكيل الجمهورية لينظر في الملف حتى أتمكن من أخذ نسخة والاطلاع على المحضر.

وعلى هامش كل هذا، لاحظت أنّ البروتوكول الصحي يطبق حسب الحالة وأنّ التباعد الجسدي لا يعدو أن يكون إلا قرارا على ورق واكتشفت أنّ الحلقة الأضعف في دائرة القضاء هو المواطن خاصة البسيط، فهذه عجوز تحمل اوراقا تبحث عن قضية ابنها، وشيخ بلباس صيفي في طقس خريفي في قسم آخر ينتظر الموظف ليتم له اوراقه، وفي رواق مكتب وكيل الجمهورية جموع من الناس تنتظر ومازال الصف خارج المحكمة يزداد طولا مع تقدم الوقت...

بعد تدخل من مساعد وكيل الجمهورية الذي اذن باستخراج المحضر لتمريره على وكيل الجمهورية، جلست انتظر قدوم هذا الأخير وهنا تطرح عليك الأسئلة علنا وبسهولة تامة، يسمعك البقية الذين ينتظرون بدورهم خدمة ما، وهو ما أشعرني بالقلق كصحفية فماذا لو كان مواطنا بسيطا يتحاشى ان يتحدث عن مواضيعه امام العلن.

قبل المغادرة كان مكتب الشكايات آخر محطاتي، وهنا شعرت بحجم الوجع الذي يحمله المواطن الذي لا يفقه من القانون شيئا وذنبه أنّ الاقدار قادته الى خبايا هذا المكان، حيث تقدمت بطلب بسيط الى السيدة التي قلنا إنها على الاعلامية وقبل أن انهي سؤالي، أجابتني دون أن ترفع رأسها "مش توة.. استنى مازالت كوصلت تحبلها..." قاطعتها وأعلمتها انّ المحضر ورد في جوان، وهنا قاطعتني مجددا قائلة بحركة تشير الى أنّ الانتظار سيطول " اي تحبلو...." تركت المكان وغادرت المحكمة الابتدائية بمدنين وأنا مدركة أنّ تونس تحتاج الى ثورة ادارية وأخلاقية وأنّ الوحيد المتضرر من الخدمات الادارية وخاصة منها ذات السيادة كالقضاء هو ذلك المواطن " الزوالي " بلغتنا العامية.

نعيمة خليصة