الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بقلم الدكتور أحمد المناعي: محمد النوري … كما عرفته

نشر في  11 نوفمبر 2020  (17:36)

بقلم الدكتور: أحمد المناعي

 

 محمد النوري هو من أول العناصر القيادية النهضوية التي عرفتها في باريس سنة  1991 دون معرفة دقيقة لموقعه. وهو الآن عضو مجلس شورى النهضة ورئيس لجنة السياسات فيها وهو الذي نقل عريضة المائة إلى الغنوشي.

 في يوم 20 ماي 1991 بعد يومين من وصولي إلى باريس اتصل بي الحبيب المكني في دار أنسابي ودعاني الى لقائه وضرب لي موعدا أمام العمارة حيث يوجد مكتبه بساحة « ستالنغراد ». بعد أقل من ساعة كنت في الموعد فجاءت سيارة أخذتني إلى حيث لا أدري.

ركبت من الخلف مع الحبيب المكني وعبدالرؤوف بولعابي ومن الأمام كان الغنوشي بجانب السائق الذي لم أكن أعرفه.

هنأني الجميع بالسلامة بعد ضيافتي في وزارة الداخلية لأسبوعين وخروجي من تونس…وكان راشد أكثرهم فرحا فقد ضحك ملء شدقيه وقهقه لكتمي سره رغم قساوة التعذيب. ذلك أنه طلب مني ليلة رجوعي إلى تونس يوم 23 أفريل إبلاغ رسالتين: الأولى لعبد الفتاح مورو والثانية إلى كمال لطيف.

في دار المصمودي

توجه بنا السائق إلى دار المرحوم محمد المصمودي. كنت أعرف المصمودي من زمن بعيد ولكني لم أفهم سبب هجومنا عليه. بعد مدة علمت أن  الغنوشي كان يسعى لتدخله لدى الرئيس بن علي لإيقاف حملة الأيقافات التى شملت أعدادا كبيرة من  جنوده …مقابل ماذا؟

كانت جلستنا في قاعة الأكل على غير العادة وجلست على يسار سي محمد بينما بقي الثلاثة الاخرون واقفين من حول الطاولة وكان راشد واقفا على يساري.

تحدثت عن ظروف الضيافة ويبدو أن الجميع قد تأثر كثيرا بما فيهم الغنوشي المعروف بقساوته ومع ذلك فقد سكب دمعة (كتلك التي سكبها بعد حوالي ربع قرن يوم جلس جلسة استماع هيئة الحقيقة والكرامة مع سامي براهم يوم 17 نوفمبر 2016).

 وسألته إن كان قد عذب هو الآخر فيما قبل فأجاب بالنفي.

وتوجهنا فيما بعد إلى دار سائقنا ومضيفنا محمد النوري في « بيانكورت ». أقمت مع الغنوشي يومين ونصف عند النوري تخللتها اتصالات وأنشطة إعلامية (سيأتي تفصيلها في الكتاب …) وكتب فيها الغنوشي بيانا طويلا للرد على الندوة الصحفية لوزير الداخلية حول المحاولة الأنقلابية وقضيت ليلة كاملة في ترجمتها إلى الفرنسية. وفي لحظة ما لم أفهم خطه فدخلت عليه غرفته أستوضحه بعض الجمل. فقطع التسجيل وقال لي انه يسجل كاسات للأخوة ووضح لي ما استعصى علي فهمه من خط.

في الأسابيع التالية اطلعت على الكاساتات فاذا بها أوامر قائد عسكري دفع بجيشه الى ساحة حرب حرص أن يقودها من وراء البحار وهي على كل نقيض ما في البيان الذي ترجمته ليلة كاملة. .

 

الى هذا الحد لم يكن  للنوري دور يذكر.

وعرفت بعد ذلك أن النوري كان موظفا في الجامعة العربية في تونس وأنه تركها عند رجوعها الى مقرها الأصلي بالقاهرة وقد مكنته الجامعة العربية من تعويض محترم تمكن بواسطته من تأسيس تجارته وحفظ استقلاله عن الحركة ورئيسها. كان وقتها تاجرا في الفواكه الجافة وخاصة منها الفستق الإيراني.

لا أذكر أن شارك النوري في أي تحرك أو نشاط فكري أو ثقافي أو سياسي أو أي حركة تضامنية مع أحد التونسيين نهضاويا أو غيره أو ساهم في عمل احتجاجي ضد تصرف أو موقف للنظام فيما عدى توقيعه على عريضة تضامن (كل موقعيها نهضاويون) مع المنذر صفر بعد الأعتداء عليه في  نهاية مارس 1996.

ولم يوقع حتى على البيان الذي نشره عدد من المستقلين وكثير من قدماء النهضاويين لمطالبة الرئيس بن علي بتسريح باقي المساجين استجابة لاستغاثة حمادي الجبالي « أخرجونا من هذا القبر » سنة 2005.

وإنصافا للرجل لا بد أن أذكر أننا قد اعتزمنا تنظيم ندوة حول « حصيلة أربعين سنة من استقلال تونس » يوم 20 مارس 1996 وقد دعوت محمد النوري للمشاركة فيها بورقة حول حالة الأقتصاد التونسي وقد كتبها وبعثها لي. إلا أن الندوة لم تتم لأن مشاركين تونسيين مدعوين للندوة رفضا المشاركة في آخر وقت.

 كان الخوف لدى اللاجئين في الخارج في مستوى خوف المواطنين في الداخل.

التقيت النوري ثانية في أكتوبر 1997 في مقر شركته الجديدة في « بوبنيي ». وقد تحول من تجارة الفواكه الجافة الى تجارة الورق. يومها جاء الغنوشي إلى باريس خلسة كعادته فاتصل بي رضا إدريس وقال لي إن صديقك يرغب في لقائك وأعطاني عنوان النوري في « بوبنيي »…. كان باب الشقة مفتوحا وكذلك باب مكتب النوري. رأيت النوري جالسا وراء مكتبه، وراشد بعيد عنه على اليمين. استغربت الأمر لأن ذلك مخالف للأعراف ولكن الأهم أني سمعت راشد يقول لصاحبه « مالا انحلوها ؟ فرد عليه النوري أي انحلوها » .

لم تطل زيارتي كثيرا، ربع ساعة على الأكثر حيث أني خرجت من العمل لساعة واحدة والمسافة ذهابا وايابا أكثر من نصف ساعة.

كان لقائي بالغنوشي يومها آخر لقاء معه الى حد الساعة ولكني التقيت النوري مرة أخرى,

اخر لقاء مع النوري

فقد التقينا في حفل زواج بنت محمد العماري مساء يوم 07 جويلية 2007. بعد تناول العشاء خرجت من القاعة هروبا من الضوضاء وطلبا للهدوء ووجدت النوري قد سبقني للخارج. تبادلنا السلام وتحدثنا في الشأن العام ولما كان كل حديث للاجئين تونسيين يومها يوصلهم الى النهضة …عبرت له عن عجبي واستغرابي من أن تقدم هذه الحركة على تخطيط انقلابين في أربع سنوات.؟ فرد علي: لا والله سيد أحمد بل ثلاثة.

 

هذه ثاني مرة (بعد صالح كركر بخصوص محاولة انقلاب 8 نوفمبر 1987) يعترف لي فيها قيادي نهضاوي بأن النهضة خططت للانقلابات.

واغتنمت فرصة صراحته فرجعت به إلى عشر سنوات مضت وذكّرته  بأنني سمعت جملتين من حديثه مع راشد في « بوبنيي » سنة 1997 وسألته إن كان « الحل » موضوع الحديث يهم الشركة أو الحركة. فقال لي بل الحركة.

كثير من الأستقلالية والشجاعة

وقد ذكر لي بعض الثقات من أن محمد النوري كان من أكثر الناس رفضا واعتراضا على تقديس الغنوشي منذ بداية التسعينات. ومعلوم أن كثيرا من النهضويين في الخارج كانوا يضعون الغنوشي في مرتبة بين النبي والمهدي المنتظر وفيهم من يتغزل في ملابسه وفيهم من يعتبره جزءا من عقيدته. وتم ذلك مرة بمحضر محمد النوري فانتفض الرجل وقال للمنافق المتزلف: « قم يا فلان تطهّر وجدد ايمانك ». وكان ذلك بمحضر الغنوشي الذي لم ير أدنى حرج في أن يكون محل عبادة. وفي هذه الظروف، طبيعي أن يستقبله مريدوه عند رجوعه الى تونس من منفاه الاختياري بما استقبل به أهل المدينة الرسول الأعظم (صلعم).

رجع النوري إلى تونس في نهاية 2009 أو بداية سنة 2010 متحديا بذلك الأوامر العلية معلنا أنه رجع إلى وطنه كما هجره وأنه لم يستقل من النهضة ولكن ما تُسمَى « اسكامبا » في الحركة كانت له بالمرصاد.

الوردانين في 9/11/2020