الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة منيرة يعقوب تكتب عن اشهار العرّافة والخطاب على الباب والحلقة المفقودة في النظام التربوي

نشر في  15 نوفمبر 2020  (11:10)

بقلم منيرة يعقوب
أهلا،
كيف ما تعرفو، أنا مُدرّسة متقاعدة والظروف المتعلّقة بوباء الكوفيد خلّات مجالات الحركة محدودة للغاية وتولّي الإذاعات والتّلافز وبعض التّنقلات المحدودة هي الجزء الأهمّ من المجال الحياتي... مع نزر قليل من شبكات التّواصل الإجتماعي.
وفي هذا الظّرف زادة، يزيد الإهتمام بكلّ مكوّنات الفضاء السّمعي البصري اللّي أكبر ضحاياه توّة هي صورة النّساء!
ما نعرفش لاحظتو أصدقائي صديقاتي وإلّا لا الجهد الخاص في تقديم صورة نمطيّة مغرقة في التقليديّة واللّي بمقتضاها المرأة أوّلا لا وجود لها خارج مؤسّسة العائلة والزّواج والبيت.
بداية في الومضات الإشهاريّة وخاصّة كلّ ما يتعلّق بالأكل: فمّة علامة لمصبّرات خذات الحكاية "من الآخر" وجعلت من المرأة شوّافة (دڨازة) وحريفة تبحث على الزّوج المثالي والعرّافة تنصحها بالطّبخ بمصبّرات من نوع كذا على خاطر "أقرب ثنيّة لقلب الرّاجل كرشو" وما توفاش الحكاية غادي، نجد السيّد في آخر لقطة ياكل ويتبنّن ويقول"خذيت وكسبت!"شوفو أنتم/أنتنّ قدّاش من رسالة متخلّفة في هاك الspot!
في سبوتات أخرين، جايبينها زعمة زعمة، يتحدّثوا على صناعة غذائيّة من الحقل إلى الصّحن: هناك تقسيم ذكوري واضح:فضاء العمل للرّجال(والحال أنّ اليدّ العاملة في الحقول هنّ غالبا نساء!) وفي مرحلة التّصنيع، ما تظهر حتّى إمرأة، أمّا عند تقديم الأكل الجاهز للعائلة (حسب التصور التّقليدي: جدود، أبناء وأحفاد)يأتي دور النّساء!
مش هذا فقط، باكرا وفي البرامج الصّباحيّة، تجد نساء منشّطات غالبهنّ (باش ما نقولش الكلّ) يدخلوا في الصّورة النّمطيّة: ماكياج "ثقيل"(مبدئيّا ينجّم يكون لحضور حفل زواج تقليدي)، من سنّ دون الأربعين ولا وجود لأيّ منشّطة سمراء اللّون (وكإنّ وجود مُقدّم النّشرة الجويّة أسمر كافي لتمثيل تنوّع المُجتمع التّونسي) وفي فقرة الطّبخ (اللّي شفتها على الوطنيّة باش ما نحكيش على حاجة ما تفرّجتش فيها)الطبّاخة تنصح وتؤكد على المُتفرّجات باش يحضّروا عولتهم في الدّار ويطيّبوا لصغيّراتهم في الدّار و...و...راهو مش صعيب، تربحو كذا وكذا...
يعني: لا خدمة البرّة من الدّار، لا صناعة غذائيّة، والو! شدّ دارك وأعمل كلّ شيء بيديك باش صغارك (ما عندي شيء ضدّ العائلة لكن في القرن21وحتّى قبل فمّة ناس تعيش بمفردها وهم مواطنات ومواطنين بأتمّ معنى الكلمة، مش خاطر وحدهم وإلّا ما عندهمش صغار يولّي ناقصهم ربع!)
مش لازم نحكيو على المسلسلات وخاصّة "الخطّاب على الباب" اللّي المفروض يحكي على مدينة تونس(المدينة) في الجزء الثّاني من تسعينات القرن العشرين، لكنّو يستعيد كلّ القوالب القديمة (عائلة بلديّة عريقة، patriarche محافظ، معينة منزليّة من الرّيف...) وما يشفعلو إلّا بعض الفنّانين والفنّانات اللّي عطاوه برشة من روحهم/روحهن...
وكيف تعمل كيف على لقاء إذاعي مع الفنّانة العظيمة جليلة بكّار يجيك الصّوت من الغرفة الأخرى (اللّي فيها تلفزة) والعرّافة تنصح في حريفتها الشّابة باش تطيّب للوصول لقلب الرّاجل اللّي تحبّو!
يقول القائل/القائلة: عندك فلسة تبدّل وإلّا تسكّر! إيه صحيح، لكن الحركة(البسيطة) هذيكة تقتضي وجود فكر مُقاوِم في الأمخاخ... لكن هذا نفسو شيء مفقود(غالبا) بفعل غياب برامج مدرسيّة تكوّن مواطنات ومواطنين إكتسبوا فكر نقدي وشخصيّة ما ترضاش بإتّباع القطيع!
مدرستنا ومن سنوات عديدة تصنع في أجيال مُحافظة، والقلّة القليلة إكتسبت مناعة فكريّة عن طريق تربية عائليّة غير تقليديّة أو بمجهودات خاصّة في المطالعة والبحث عن مصادر تكوين متنوّعة ومختلفة عن السّائد.
ربّما الحديث مازال ينجّم يزيد يطوال في هذا ويتطلّب مزيد من تنويع المعارك (نعم معارك)على الواجهة التربويّة بفرض برامج جديدة تقدّم التّفكير العلمي بمراجعة برامج الرّياضيّات والعودة لتدريس des éléments de logique mathématiques منذ الأقسام الدّنيا والتخلّي عن منظومة "حشو" الأمخاخ بمعلومات صلوحيّتها ما تتعدّاش موعد إجراء فروض المراقبة ثمّ تُرمى في المهملات، فرض أنشطة فنيّة كالسّينما والرّقص والمسرح منذ المدرسة الأساسيّة وجعلها نافذة للأطفال على العالم مع تفتّح المدارس على الفضاءات الفنيّة الخارجيّة بصورة دوريّة(حضور عروض سينمائيّة بالقاعات وتوفير المادّة الفيلميّة الملائمة لسنّ التلميذات والتلاميذ، حضور مسرحيّات، زيارة المتاحف إلخ)، برشة منكم/منكنّ قاعد يقول/تقول: فاش تخرّف؟
مدارسنا ما فيهاش ماء وطباشير وهي تحكي على"الكماليّات"، هذا هو بالضّبط الفكر اللّي حان الوقت باش نراجعوه، صغارنا وأحفادنا عندهم حقوق ما بيناتهاش مفاضلة، التّربية مش حشو مخّ وبرّة تعدّى! النّهار اللّي نبداو فيه إرساء هكذا منظومة تربويّة، نجّمو من وقتها نحسبو السّنوات اللّي بعدها يولّي عندنا فيه جيل متربّي على فكر مُستنير،جيل قادر باش يُعمِل الفكر متاعو قدّام فيلم ومسرحيّة وكتاب وحتّى خطاب"سياسي"وحاملي وحاملات الفكر الجامد والسّلفي والقادر باش يولّي عنيف وإرهابي هم إستثناءات...
نقدّر، صديقاتي وأصدقائي، أنّي طوّلت عليكم/عليكنّ وقلقتكم/كنّ لكن هذي خواطر حبّيت نتقاسمها معاكم لأنّي نشوف في هذا الوضع مازال قادر يتوالد ويتزايد ويزيد خطورة بفعل الأوضاع الإقتصاديّة والوبائيّة ولازم على الأقل تاخذ شويّة نفس من التّعليق على السّفاسف اللّي صايرة قدّامنا ونقولو: يزّي!هات نشوفو حلّ!
دمتم/دمتنّ.