أخبار وطنية نائلة السليني تردّ على تصريحات محمد الطالبي وتفسر مفهوم البغاء في القرآن
كتبت أستاذة الحضارة الإسلامية نائلة السليني مقالا نشر على أعمدة جريدة المغرب، علقت فيه عن الجدل الكبير الذي أحدثه مؤخرا المفكر محمد الطالبي لاعتباره بان شرب الخمرة وممارسة البغاء محللان في الإسلام، وكذلك حول اتهامه لها وللدكتور عبد المجيد الشرفي بـ"الانسلاخ إسلاميين" والتي تعني انسلاخهما عن الإسلام.
وهذا ما جاء في مقال السليني الذي ردت فيه على الطالبي وقدمت فيه تفسيرها لمفهوم البغاء في القران كالتالي:
"شدّ الأستاذ الطالبي هذه الأيام الناس بتصريحات اعتبرت «نارية» ، وقدّم اجتهادات في القرآن أثارت حفيظة الشيوخ وحتى من يعتبر نفسه متفهّما في القرآن، وأودّ أن أجيب عن مسألتين أعتقد أنّه من واجبي
العلمي توضيحهما وهما قضية «تحليل القرآن للبغاء»، ومسألة أخرى يبدو أنّها صارت من الثوابت في تصريحات الأستاذ الطالبي، ويبدو أنّها امتلكت انتباهه فصار لها أسيرا، ويقتضي منّي الواجب ان أشفي غليله وأسمح لنفسي أن أجيب نيابة عن جماعة ما فتئ يكفّرهم، عفوا وأصحح يعتبرهم «انسلخوا عن الإسلام».
فأمّا قضية البغاء ، فأبدأ بالتنبيه إلى أنّ لفظ البغاء ورد في سياق الحديث عن «الفتيات». وأشير إلى أنّ هذا اللفظ ورد مرّتين في القرآن: في قوله تعالى «ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات» النساء 4 / 23. وفي قوله «وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» النور 24 /33.
وأنا أدعوكم إلى وقفة نتأمّل من خلالها السياق الذي وردت فيه الإشارة إلى الفتاة في النساء 4 /23 . فالآية تقيم فارقا ذا دلالة بين «المحصن المؤمنة» و«الفتاة المؤمنة». و لفظ المحصن في القرآن كان مكرّسا في مجمله لتمييز المرأة الحرّة من الأمة، وبذلك فإنّ الزواج من المحصن أي الحرّة هو الأصل ، ويجعل القرآن العلاقة مع الإماء رخصة لمن لا يقدر على الحرّة. ولا يتسع المجال لأن نحلّل الأسس التي يقوم عليها ملك اليمين الذي هو مشغل يرسم علاقة الرجل بالإماء. وفي نفس هذا السياق الدلاليّ نضع الآية التي في النور 24 /33. فهي آية تتحدّث عن الفتيات الإماء ، وهي مركّبة من جملة شرط وجواب شرط، فأمّا الشرط فهو يحصر مشيئة الأمة في أن تتحصّن بينما يدعو جواب الشرط إلى إعفاء من تريد التعفّف من البغاء. وهنا أوضّح مسألة على غاية من الأهميّة: فالقرآن لم يحلّل البغاء وإنّما تحدث عنه في سياق خاصّ جدّا ولا يمكن أن يكون معمولا به سوى في عصور كانت فيها الإماء يقتنين لأجل الاستثمار وكذلك العبيد، وهي تجارة نافقة في ذلك العصر.
ويجب التنبيه ايضا إلى أنّ العبيد مال" كما يقول الفقهاء أي ملك يسعى السيد إلى التوفير فيه. ومثلهم في ذلك مثل الأبقار أو الشياه، وكما لا يجد السيد حرجا في أن يخصب حيواناته فكذلك الأمر بالنسبة إلى عبيده. بقيت مسألة هامّة تخامر ذهن الإنسان، وهي لماذا لم يحرّم القرآن العبودية؟ والمسألة بسيطة عبّر عنها القدامى بنزول الحكم على التدريج، ولم يكن ممكنا البتة زمن نزول الوحي أن تحرّم العبودية لأنّ المجتمعات بأكملها المسلمة والمسيحية واليهودية مبنية على أساس من الطبقية ، لكن، كان للقرآن اتجاه ثابت ، عبّر عنه القدامى ايضا بالمقاصد، أي أن نضع الايات في نفس الخطّ لنحاورها ببعضها بعضا وننظر فيما أراد النصّ قوله باجتماع هذه الآيات معا، وفي هذا السياق نضع حديث القرآن عن الفتيات في سياق حديثه الحاث على فكّ الرقاب، وقد تكرّرت الدعوة إلى «تحرير رقبة» 6 مرّات في القرآن.لذلك أعتبر أنّ القرآن حثّ على إبطال العبودية ولكنّه لم يحرّمها، وما حديثه عن البغاء سوى في سياق حديثه عن الإماء لا غير.
إنّ التعامل مع النصّ القرآني ليس لعب النرد حتى ندخل اللعبة من غير أن نتحلّى بآليات في مقاربته، وهو مزلق خطير إذا لم نكن واثقين من المقاربات التي نتقيّد بها وقد تصل بنا إلى مثل هذا التعسّف على النصّ، وأربأ بنفسي أن أنعت الأستاذ الطالبي بالمنسلخ عن الإسلام كما يحلو له أن ينعت مخالفيه، ولكن أدعوه إلى أن يتدبّر القرآن في صبر وتأنّ حتى لا يتجنّى على النصّ.
أمّا المسألة الثانية فأرى لزاما أن أذكرها، وكم كانت سرّا أثقل صدري طيلة ما يزيد عن الخمس عشرة سنة: يستفزّني كلام الأستاذ الطالبي عندما ينعت مثقفين تونسيين سخّروا حياتهم لأجل العلم ،فيسعى جاهدا إلى إقصائهم والتشهير بهم، وهم مع ذلك صامتون بل يأنفون الدخول في متاهات قد يضيعون فيها: فقد نعتهم بالإنسلاخيين عن الإسلام وفي الوقت نفسه ينكر في شدّة أن يكون قد رماهم بالكفر، أي بعبارة العامّة «موسى الحاج موش الحاج موسى» فرجاء كفاك رقصا على الحروف ، وبالله عليك يا سيدي مامعنى انسلخ عن الشيء؟ أليس مثل انسلاخ جلد الشاة مثلا عن جسمها؟ وعندما ننسلخ عن العقيدة أليس معناه أنّنا ابتعدنا عنها؟ فأيّ فرق بينك وبين التكفيريين؟ أخرجتنا من خيمتك وأنت حرّ في ذلك، لكن ليس من حقّك أن تفرض علينا منهجا في الاعتقاد «قد قياسك». وهل نصّبك الله تعالى نيابة عنه تفرّق صكوك التوبة والإيمان؟ سكتنا طويلا وصبرنا على نارك كثيرا رغم المخاطر التي كان من الممكن أن ترمينا في أتونها. فليس بالغريب أن يتساءل السامع البسيط إن كان هذا «المؤمن» يقول مثل هذا الكلام فما عساهم أن يقولوا هؤلاء الذين يتهمهم «بالمنسلخين»؟ دعوتك مباشرة حتى نؤذى، وحتى يقوم نيابة عنك من البسطاء ما يعترك في نفسك. واليوم أقولها لك: لست بالخجلة حتى أقول لك:كفاك غرورا ولمَ لا نفاقا، فأنت تستفزّني أكثر عندما تتحدّث عن معاناتك زمن بن علي، وأسألك للمرّة الأولى وبعد كلّ هذه السنين، إن كنت معارضا لبن علي فعلا فبم نفسّر أخذه بعين الاعتبار لتقاريرك التي ترسل بها إليه؟ ألم ترسل إليه بأنّ أطروحتي تدعو إلى نزع القداسة عن القرآن وذلك في سنة 2000؟ ومنذ ذلك التاريخ سحبت النسخة من المركز الجامعي للنشر ولم تر النور؟ بإمكانك أن تنكر لكن، أرجو أن يكون أرشيف المركز قد احتفظ بتقريرك. فمن المستبدّ؟ ومن الأقرب إلى السلطة؟ كفاك مغالطة ، كفاك تناقضا، تدعو إلى الحرية وأنت تمارس أفظع أشكال العنف، وتدعو إلى التسامح وانت أشدّ إقصاء من المتطرّفين. ولتنتبه إلى الأذى الذي تلحقه بغيرك، فما تقوم به لن يفيد البحث العلمي ببلادنا، ولن يقدّم إضافة في مناهج المحدثين الصادقين في النهوض بالمجتمعات العربية. فالقضايا التي تثيرها لا تعني العامّة بقدرما هي مشاغل تتداول بين أهل الاختصاص. ألم ينبّه القدامى في مؤلفات من صنف «إلجام العامّة عن علم الكلام»؟ ألم يصنّف الرازي للعلم محيطات لا تغوص فيها سوى الأنبياء؟ وبحارا لا يسبح فيها سوى العلماء؟ ألم يقل إنّ للعلم جداول لا ينهل منها سوى الفقهاء، وسواقي لا يرتادها سوى العامّة؟
أملي أن ترفع يدك عن فئة من المثقفين تجنّبوا المواجهة معك، وأن تحفظ لسانك الذي قد يلحق بهم مكروها قد تكون غير قاصد له. فإن سكتوا عنك فما ذاك سوى احتراما للعلم وليس البتّة خوفا منك أو عجزا عن محاورتك. عليك أن ترأف بالناس فتحفظهم من تأويلات هم في غنى عنها ،إن لم أقل تسعى إلى إشعال نار التطرّف والجدل العقيم.
وفي الأخير، ما عساني أن أعلّق على حديثك عن المراة بين العورة والروعة؟ سوى أنّك لم تخرج من خيمتهم أيضا، فأنت سجين المسلّمات التي لا ترى في المراة سوى تلك المتعة أو النشوة التي تفعل مفعولها في الرجل. المراة يا سيدي «عقل» والمرأة «إنسان» مثلها مثلك، وليست عينا او ساقا أو جسدا فاتنا أو «تكحيل»... غريب أن يصدر مثل هذا الموقف منك، والأغرب منه أن تقدّمه هدية إلى المرأة يوم 8 مارس "اليوم العالمي للمراة".