أخبار وطنية قرابة 1000 طفل يولدون خارج اطار الزواج سنويا: «الأم العزباء» بيـن جحيم المجتمع وقسوة القانون وتشرّد الـمولود
نشر في 01 مارس 2017 (14:34)
يعد موضوع الأطفال المولودين خارج إطار الزّواج من الملفات المسكوت عنها في تونس، وذلك لعدة اعتبارات منها الاجتماعي والاخلاقي، حيث مازال مجتمعنا شأنه شأن كل نظرائه في البلدان العربية يرفض الاطفال الذين يولدون خارج الأطر الشرعية، بل ويحاسبهم ويقصيهم ويحمّلهم مسؤولية هم براء منها، أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم ثمرة علاقة محرّمة شرعا وقانونا إما نتيجة اغتصاب او وعد بزواج او علاقات عرضية او زواج عرفي، أطفال يجدون أنفسهم اما في دور رعاية أو جمعيات خيرية ويلاحقهم العار حيثما حلوّا، كما تلاحقهم تسميات متعددة أبشعها «لقيط» اضافة الى اسم «أطفال بورقيبة» كما هو متداول في تونس نسبة الى الرئيس الأسبق الرّاحل الحبيب بورقيبة، الذي أحدث دورا لرعاية هؤلاء الأطفال.
وقصد الرعاية بهذه الفئة، أحدثت الدولة المعهد الوطني لرعاية الطفولة بمنوبة اضافة الى وحدات عيش ودور رعاية فضلا عن تكوين لجان تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية مكلفة باثبات النسب بعثت في 21 نوفمبر 1998 وتتكفل بمساعدة الأم لتحديد هوية الأب البيولوجي سواء عبر التحاليل الجينية او القضاء ، كما توجد 13 جمعية مختصة في رعاية الأطفال المولودين خارج اطار الزواج منهم جمعيتان تتكفلان بالأم ورضيعها وتسعى هذه الجمعيات والمعهد لا فقط الى الرعاية والاحاطة النفسية والاجتماعية بل كذلك الى تكوين الأم وادماجها في الحياة الاجتماعية وضمان مورد رزق لها لاعالة طفلها في حالة استرجاعه وعدم التخلي عنه .
المشرّع التونسي ينصف الطفل ويتعسف على الأمّ
تعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي يحمي قانونها الأطفال المولودين خارج اطار الزواج اضافة الى مصادقتها على اتفاقية حقوق الأطفال كما ينص الفصل 152 من مجلة الأحوال الشخصية على أن” يرث ولد الزنا من الأم و قرابتها».
من جهة أخرى أقرّ الفصل الأول من القانون المؤرخ في 28 أكتوبر 1998 كما تم تعديله بمقتضى قانون 7 جويلية 2003 والمتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي النسب، منح المولود الحق في النفقة والرّعاية من ولاية وحضانة ما لم يبلغ سن الرشد أو بعده في الحالات المخولة قانونا، كما يمكن للأم أن تطالب بالترفيع من نفقة ابنها.
وكان المشرع التونسي أعطى الأم التونسية منذ سنة 1998 الحق في إثبات نسب طفلها الذي انجبته خارج إطار الزواج الرسمي، وذلك بطرق عدة من بينها التحليل الجيني أو توفر الشهود، وهو ما يمكن المولود من التمتع بكافة حقوق الابن الشرعي، وقد وقع تنقيح هذا القانون سنة 2003 وأصبح القانون الجديد يلزم المدعى عليه باجراء التحليل الجيني بحكم قضائي ويعتبر القانون تخلف الأب إثباتا ضمنيا للأبوّة.
ولئن أنصف المشرع التونسي الطفل فإنه منع الأم العزباء من مطالبة والد طفلها بالزواج منها او الانفاق عليها الا في حالة ان تكون قاصرا حيث يجبر القانون الأب على الزواج بها أو الزج به في السجن، وينص الفصل 227 مكرر من المجلة الجنائية التونسية على أن «الحمل والمعاشرة لا يولّدان حق الأمّ العزباء في مطالبة الأب بالزواج بها»، وبالتالي فان حق الأم يقتصر على مطالبة الأب البيولوجي باثبات النسب وفقا لدعوى قضائية، وحصولها على نفقة ابنها، حيث لا يوجد أي نص قانوني يحمي الأم العزباء.
المجتمع المدني: مجهودات جبارة وظروف قاسية
تعمل عديد الجمعيات المدنية على مساندة الأطفال المولودين خارج اطار الزواج، وتهدف هذه الجمعيات والمقدر عددها ب13 جمعية موزعة على كامل تراب الجمهورية إلى مساندة الأم ورضيعها، وخاصة مقاومة ظاهرة التخلي عن الأطفال، والعمل على تحقيق الاستقلالية المادية للأم، اضافة الى تقديم المساعدات المادية والنفسية .
ومن بين الجمعيات المهتمة بمساعدة الأم وايواء الأطفال نذكر جمعية سبيل للأم والطفل، وفي حديث جمعنا برئيستها السيدة منيرة الكعبي وهي أيضا عضو باللجنة القارة لاثبات النسب المنضوية تحت وزارة الشؤون الاجتماعية، أكدت لنا أن مركز الاحاطة والتوجيه التابع للوزارة يهتم بالاحاطة بالأم قبل الولادة فقط، وبالتالي يتكفل المعهد الوطني لرعاية الطفولة باحتضان الابن الى غاية بلوغه 6 سنوات، واضافة الى هذا المعهد تتكفل الجمعيات بايواء الأطفال ومساندة الأم ماديا وقانونيا لاثبات النسب.
وأشارت محدثتنا الى أن جمعية سبيل تقوم اولا بمساندة الأم عند اصطحاب رضيعها، وذلك بتوفير المساعدات والاعانات اضافة الى أن الجمعية تضم أيضا مبيتا ويوجد به حاليا 18 رضيعا، مؤكدة ان الايداع بالجمعية مؤقت حيث تتراوح مدة الاقامة من يوم واحد الى عامين مؤكدة أنه عادة ما تجد الجمعية صحبة الأم حلولا تمكنها من استرجاع طفلها مع توفير الحماية لهما وذلك قبل بلوغ الطفل العامين من عمره.
وافادتنا السيدة منيرة ان استقبال الحالات يكون عبر مندوب حماية الطفولة ووفقا لملف اجتماعي يتضمن بحث المرشدة الاجتماعية ومضمون الطفل وشهادة طبية تثبت سلامته الصحية وتدبير من قبل المندوب مؤكدة ان الجمعية توفر عديد المساعدات للأمهات العازبات من مواد غذائية وملابس وغيرها، كما بينت أن الجمعية تسعى خلال فترة احتضان الرضيع الى اقناع الأب البيولوجي بالقيام بالتحليل الجيني واثبات النسب ايضا حيث ترافق الجمعية الأم العزباء لتسوية وضعية الطفل القانونية ومنحه لقبا عائليا وتعمل على تحميل الأب الطبيعي لمسؤوليته القانونية والاجتماعية، واشارت السيدة الكعبي الى أن الجمعيات تعاضد مجهود الدولة في الإحاطة بالأم العزباء وبصغيرها المولود خارج الإطار الرسمي للزواج.
من جهة أخرى بينت محدثتنا أن جمعية سبيل تأسست سنة 2008، وان المبيت بعث سنة 2011 وضم قرابة 220 رضيعا منذ ذلك التاريخ، مؤكدة أن الدعم الذي تتلقاه الجمعية بسيط جدا ولا يفي باحتياجات الرضع ولا الطاقم العامل بها حيث تضم اضافة الى العملة 4 مرشدات، وأن مقر الجمعية سيباع قريبا، وبالتالي سيصعب على الجمعية مواصلة عملها، مبينة ان على رجال الأعمال دعم مثل هذه الجمعيات اضافة الى دعوتها كل مواطن الى التكفل بمصاريف ولو رضيع واحد من ملابس وحليب وحفاظات وغيرها من المستلزمات .
مقاومة ظاهرة التخلي عن الأطفال
ومن بين الجمعيات المهتمة بالأمهات العازبات والأطفال المولودين خارج اطار الزواج معا نذكر جمعية أمل للعائلة والطفل، التي تهدف بالأساس الى مقاومة ظاهرة التخلي عن الأطفال، حيث توفر الجمعية الحماية الاجتماعية للأم والاقامة اضافة الى تكوينها قصد تحقيق الاستقلالية المادية لها، ومرافقتها قانونيا الى حين الحصول على اثبات النسب، وتعمل ايضا على اعادة ادماج بعض الأمهات العازبات مع عائلاتهن.
وفي تصريح خصّ به أخبار الجمهورية أكد مالك كفيف رئيس جمعية أمل للعائلة والطفل، أن الجمعية وبمجرد تعهدها بالأم ورضيعها تسعى في مرحلة اولى الى الاحاطة النفسية بالأم العزباء ثم الرعاية الصحية وتوفير المبيت لها وذلك قصد اثنائها عن التخلي عن طفلها، كما توفر الجمعية التوجيه القانوني والاداري لها قصد التحصل على حقوقها بصفة قانونية واثبات نسب ابنها سواء عبر التحليل الجيني او القضاء وتتحمل الجمعية كافة المصاريف العدلية.
واضاف محدثنا ان الجمعية تقوم في مرحلة أولى بايجاد حلول مع الأب البيولوجي وفي مرحلة ثانية بالوساطة مع العائلة والمحيط القريب وثالثا بتوفير الاستقلالية المادية عبر تمكين الام من تكوين مهني وايجاد مورد رزق لها .
وعن فترة اقامة الأم ورضيعها افادنا ان المدة المحددة نظريا هي 6 اشهريا وقد تصل في اقصى الحالات الى 9 اشهر مؤكدا الى الجمعية لا تتخلى عن الام ورضيعها دون ايجاد حلول جذرية لهما.
وتضم جمعية أمل حاليا 60 أمّا عزباء، واكد مالك كفيف ان الجمعية تحتضن سنويا بمعدل 200 أمّا عزباء وعادة ما تتراوح اعمارهن بين 16 و35 سنة، مؤكدا انه تم احتضان فتيات بين 14 و15 سنة، مبينا ان اغلبهن من الجهات الداخلية للبلاد وان مستواهن التعليمي متدن بل قد يصل الى الأميّة، وان حملهن كان نتيجة علاقات عرضية موضحا ان حالات الاغتصاب نادرة جدا .
المندوب العام لحماية الطفولة: 90 بالمائة من الاطفال يقع التكفل بهم او تبنيهم
وفي اتصالنا بالمندوب العام لحماية الطفولة مهيار حمادي أكد أن الدولة توفر الحماية للأم والطفل سواء من خلال التشريعات او من خلال إحداث مؤسسات اجتماعية لرعايتهما، حيث عادة ما تستقبل المكاتب الاجتماعية بالمستشفيات الأم وذلك بحضور الأطراف الأمنية قصد تسهيل عملية العثور عن الأب، ليتم في مرحلة ثانيا تحويل الأم ورضيعها سواء الى المعهد الوطني لرعاية الطفولة او الى الجمعيات.
ويذكر ان المعهد الوطني لرعاية الطفولة هو مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية راجعة بالنظر لإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية أحدث في31 ديسمبر 1971، ويحتضن الأطفال الى سن 6 سنوات ويتكون من جناحين أحدهما خاص بالادارة وأخر خاص بوحدات العيش.. كما يواكب المعهد إجراءات إثبات النسب ويشجع على تبنيهم. ويشرف المعهد الوطني لرعاية الطفولة أيضا على تقديم الخدمات لمراكز عيش خيرية تقوم بدورها برعاية الأطفال غير الشرعيين، ومن أبرزها جمعية ديار الأمل في العاصمة.
واكد محدثنا انه يتم امهال الأم مدة تقدر بعام ونصف قصد تحديد موقفها فاما استرجاع الطفل والدولة توفر لها في هذه الحالة دفتر علاج مجاني لها ولابنها او التخلي عنه نهائيا عن طريق القضاء، وفي حالات التخلي يقوم المعهد بالتشجيع على الكفالة والتبني مبينا ان 90 بالمائة من الاطفال يتم التكفل بهم او تبنيهم قبل بلوغهم سن الست سنوات، وفي حال حمل الطفل لاعاقة تتكفل به الدولة من خلال ايوائه بمركز سند بسيدي ثابت .
وبخصوص قرى الأطفال « اس او اس» وعددهم 4 قرى بكل من قمرت وأكودة وسليانة والمحرص، فبيّن محدثنا أن الأطفال الذين يتم ايداعهم بهذه القرى هم على ذمة امهاتهم وعائلاتهم الى غاية بلوغ سنّ الرشد ولا يمكن تبنيهم او كفالتهم .
واشار محدثنا إلى ان المعدل السنوي للأطفال المولودين خارج اطار الزواج يتراوح بين 1000 و1200 رضيع وان اعمار الامهات العازبات يكون عادة بين 20 و30 سنة .
وقبل ان يختم كلامه معنا بين محدثنا ان حالات استرجاع الطفل من امه يكون في حالة التقصير اوانعدام الرقابة او استغلاله في التسوّل وغيرها من الاعمال، أو في حالة جلب اشخاص غرباء الى المنزل او قيام الأم بما ينافي الاخلاق .
ختاما نشير الى أنّ الاحصاءات الرسمية المتوفرة غير دقيقة بالمرة، حيث واضافة الى تضارب الأرقام وهو ما لامسناه خلال هذا التحقيق هناك عديد الحالات والوضعيات غير المعلن عنها، من جهة أخرى نشير الى أن الاشكال الرئيسي اليوم يتمثل في نظرة المجتمع لا فقط الى الأم العزباء وتحميلها المسؤولية بمفردها دون اعتبار الأب البيولوجي مسؤولا في هذه الحالات، بل أيضا في تحميل الطفل للمسؤولية باسم العادات والتقاليد وتحويل حياته الى جحيم واقتياده غصبا الى الانحراف عبر نعته بابشع الاوصاف.
دون أن ننسى المعاملة السيئة للأم العزباء في المستشفيات وتعريضها للاهانة من قبل الاطار شبه الطبي وهو ما أكده المتدخلون خلال هذا التحقيق، وفي الختام تجد الأم العزباء نفسها ضحية ـ وان اخطأت ـ لمجتمع قاس ولتشريعات غير منصفة ولمعاملة سيئة وهو ما يجبر عادة هذه الفئة من المجتمع الى اعادة الكرّة مع انعدام التوجيه والاصلاح.
احصائيات مفزعة
تشير الاحصائيات الرسمية الى أن عدد الأطفال المولودين خارج اطار الزواج يتراوح بين 1000 و1200 سنويا، عدد هام تراجع نسبيا في السنوات الأخيرة أو هذا ما اثبتته الارقام الرسمية اي باستثناء حالات الولادات التي تكون بالمنازل وببعض المصحات الخاصة التي لا تطبق الاتفاقية الوطنية والتي تنص على الاشعار بالولادات خارج اطار الزواج، وتشير احدث الاحصاءات التي تمكنت أخبار الجمهورية من الحصول عليها من قبل الادارة العامة للنهوض الاجتماعي، تشير الى أن عدد الولادات خارج اطار الزواج لسنة 2015، بلغ 920 رضيعا، وحسب نفس الاحصاءات فقد تم تسجيل 39 حالة وفاة مباشرة لرضع اثر الولادة، وحالتان لولادة من محرم و15 حالة اهمال بالطريق العام و131 حالة عود، أي انجاب المرأة لأكثر من طفل خارج اطار الزواج، و33 حالة فرار لأمرأة اثر الولادة مباشرة.
وتبين مختلف الأرقام الرسمية أن غالبية هذه الولادات تسجل لدى فتيات أعمارهن تتراوح بين 15 و25 سنة حيث نجد 33 بالمائة من «الأمهات العازبات» تتراوح اعمارهن بين 20 و24 سنة، وأن 27 بالمائة منهنّ تتراوح اعمارهن بين 15 و19 سنة، كما تفيد الاحصاءات الرسمية أنّه عادة ما تكون الفتيات ذوات المستوى التعليمي الضعيف تتراوح بين الأمية التامة أو لم تتجاوز الأم مرحلة الابتدائي وفي افضل الاحوال المرحلة الثانوية، مع تسجيل عدد ضئيل لأمهات عازبات من الطلبة ومن أصحاب الشهائد العليا وتتصدر ولايات تونس وسوسة والمنستير المراتب الأولى من حيث عدد اشعارات المولودين خارج إطار الزواج والفاقدين للسند العائلي، وحسب الأرقام التي بحوزتنا فان 46 بالمائة من «الأمّهات العازبات» من ذوات المستوى التعليمي الإبتدائي، وأنّ 35 بالمائة منهنّ لهن مستوى تعليمي ثانوي، في حين أن 3 بالمائة منهنّ لهنّ تكوين أكاديمي جامعي.
وحسب دراسة للاخصّائي في علم الاجتماع «هشام الحرباوي»، والتي نشرت نتائجها في مارس 2015 فان أغلب الأمهات العازبات من الوسط الريفي ومن الفئة العمرية دون 20 سنة (بنسبة 23 بالمائة) أي مراهقات وقاصرات.
وتضيف الدراسة أنّ المنجبات خارج اطار الزواج، هنّ أميات (45 بالمائة) وذوات مستوى تعليم ابتدائي (36 بالمائة ) وإعدادي (8 بالمائة) وثانوي (9 بالمائة) وعال (3 بالمائة)، وهنّ أيضا عاطلات (82 بالمائة) وتلميذات وطالبات وعاملات في القطاع الخدماتي (6 بالمائة) وعاملات في القطاع الصناعي (3 بالمائة) وفي القطاع الفلاحي (2 بالمائة) وعاملات للحساب الخاص (1 بالمائة)، كما أنّ حوالي 4.5 بالمائة من الأمّهات العازبات ينجبن مرة ثانية وفق الطّريقة نفسها.
وقصد الرعاية بهذه الفئة، أحدثت الدولة المعهد الوطني لرعاية الطفولة بمنوبة اضافة الى وحدات عيش ودور رعاية فضلا عن تكوين لجان تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية مكلفة باثبات النسب بعثت في 21 نوفمبر 1998 وتتكفل بمساعدة الأم لتحديد هوية الأب البيولوجي سواء عبر التحاليل الجينية او القضاء ، كما توجد 13 جمعية مختصة في رعاية الأطفال المولودين خارج اطار الزواج منهم جمعيتان تتكفلان بالأم ورضيعها وتسعى هذه الجمعيات والمعهد لا فقط الى الرعاية والاحاطة النفسية والاجتماعية بل كذلك الى تكوين الأم وادماجها في الحياة الاجتماعية وضمان مورد رزق لها لاعالة طفلها في حالة استرجاعه وعدم التخلي عنه .
المشرّع التونسي ينصف الطفل ويتعسف على الأمّ
تعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي يحمي قانونها الأطفال المولودين خارج اطار الزواج اضافة الى مصادقتها على اتفاقية حقوق الأطفال كما ينص الفصل 152 من مجلة الأحوال الشخصية على أن” يرث ولد الزنا من الأم و قرابتها».
من جهة أخرى أقرّ الفصل الأول من القانون المؤرخ في 28 أكتوبر 1998 كما تم تعديله بمقتضى قانون 7 جويلية 2003 والمتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي النسب، منح المولود الحق في النفقة والرّعاية من ولاية وحضانة ما لم يبلغ سن الرشد أو بعده في الحالات المخولة قانونا، كما يمكن للأم أن تطالب بالترفيع من نفقة ابنها.
وكان المشرع التونسي أعطى الأم التونسية منذ سنة 1998 الحق في إثبات نسب طفلها الذي انجبته خارج إطار الزواج الرسمي، وذلك بطرق عدة من بينها التحليل الجيني أو توفر الشهود، وهو ما يمكن المولود من التمتع بكافة حقوق الابن الشرعي، وقد وقع تنقيح هذا القانون سنة 2003 وأصبح القانون الجديد يلزم المدعى عليه باجراء التحليل الجيني بحكم قضائي ويعتبر القانون تخلف الأب إثباتا ضمنيا للأبوّة.
ولئن أنصف المشرع التونسي الطفل فإنه منع الأم العزباء من مطالبة والد طفلها بالزواج منها او الانفاق عليها الا في حالة ان تكون قاصرا حيث يجبر القانون الأب على الزواج بها أو الزج به في السجن، وينص الفصل 227 مكرر من المجلة الجنائية التونسية على أن «الحمل والمعاشرة لا يولّدان حق الأمّ العزباء في مطالبة الأب بالزواج بها»، وبالتالي فان حق الأم يقتصر على مطالبة الأب البيولوجي باثبات النسب وفقا لدعوى قضائية، وحصولها على نفقة ابنها، حيث لا يوجد أي نص قانوني يحمي الأم العزباء.
المجتمع المدني: مجهودات جبارة وظروف قاسية
تعمل عديد الجمعيات المدنية على مساندة الأطفال المولودين خارج اطار الزواج، وتهدف هذه الجمعيات والمقدر عددها ب13 جمعية موزعة على كامل تراب الجمهورية إلى مساندة الأم ورضيعها، وخاصة مقاومة ظاهرة التخلي عن الأطفال، والعمل على تحقيق الاستقلالية المادية للأم، اضافة الى تقديم المساعدات المادية والنفسية .
ومن بين الجمعيات المهتمة بمساعدة الأم وايواء الأطفال نذكر جمعية سبيل للأم والطفل، وفي حديث جمعنا برئيستها السيدة منيرة الكعبي وهي أيضا عضو باللجنة القارة لاثبات النسب المنضوية تحت وزارة الشؤون الاجتماعية، أكدت لنا أن مركز الاحاطة والتوجيه التابع للوزارة يهتم بالاحاطة بالأم قبل الولادة فقط، وبالتالي يتكفل المعهد الوطني لرعاية الطفولة باحتضان الابن الى غاية بلوغه 6 سنوات، واضافة الى هذا المعهد تتكفل الجمعيات بايواء الأطفال ومساندة الأم ماديا وقانونيا لاثبات النسب.
وأشارت محدثتنا الى أن جمعية سبيل تقوم اولا بمساندة الأم عند اصطحاب رضيعها، وذلك بتوفير المساعدات والاعانات اضافة الى أن الجمعية تضم أيضا مبيتا ويوجد به حاليا 18 رضيعا، مؤكدة ان الايداع بالجمعية مؤقت حيث تتراوح مدة الاقامة من يوم واحد الى عامين مؤكدة أنه عادة ما تجد الجمعية صحبة الأم حلولا تمكنها من استرجاع طفلها مع توفير الحماية لهما وذلك قبل بلوغ الطفل العامين من عمره.
وافادتنا السيدة منيرة ان استقبال الحالات يكون عبر مندوب حماية الطفولة ووفقا لملف اجتماعي يتضمن بحث المرشدة الاجتماعية ومضمون الطفل وشهادة طبية تثبت سلامته الصحية وتدبير من قبل المندوب مؤكدة ان الجمعية توفر عديد المساعدات للأمهات العازبات من مواد غذائية وملابس وغيرها، كما بينت أن الجمعية تسعى خلال فترة احتضان الرضيع الى اقناع الأب البيولوجي بالقيام بالتحليل الجيني واثبات النسب ايضا حيث ترافق الجمعية الأم العزباء لتسوية وضعية الطفل القانونية ومنحه لقبا عائليا وتعمل على تحميل الأب الطبيعي لمسؤوليته القانونية والاجتماعية، واشارت السيدة الكعبي الى أن الجمعيات تعاضد مجهود الدولة في الإحاطة بالأم العزباء وبصغيرها المولود خارج الإطار الرسمي للزواج.
من جهة أخرى بينت محدثتنا أن جمعية سبيل تأسست سنة 2008، وان المبيت بعث سنة 2011 وضم قرابة 220 رضيعا منذ ذلك التاريخ، مؤكدة أن الدعم الذي تتلقاه الجمعية بسيط جدا ولا يفي باحتياجات الرضع ولا الطاقم العامل بها حيث تضم اضافة الى العملة 4 مرشدات، وأن مقر الجمعية سيباع قريبا، وبالتالي سيصعب على الجمعية مواصلة عملها، مبينة ان على رجال الأعمال دعم مثل هذه الجمعيات اضافة الى دعوتها كل مواطن الى التكفل بمصاريف ولو رضيع واحد من ملابس وحليب وحفاظات وغيرها من المستلزمات .
مقاومة ظاهرة التخلي عن الأطفال
ومن بين الجمعيات المهتمة بالأمهات العازبات والأطفال المولودين خارج اطار الزواج معا نذكر جمعية أمل للعائلة والطفل، التي تهدف بالأساس الى مقاومة ظاهرة التخلي عن الأطفال، حيث توفر الجمعية الحماية الاجتماعية للأم والاقامة اضافة الى تكوينها قصد تحقيق الاستقلالية المادية لها، ومرافقتها قانونيا الى حين الحصول على اثبات النسب، وتعمل ايضا على اعادة ادماج بعض الأمهات العازبات مع عائلاتهن.
وفي تصريح خصّ به أخبار الجمهورية أكد مالك كفيف رئيس جمعية أمل للعائلة والطفل، أن الجمعية وبمجرد تعهدها بالأم ورضيعها تسعى في مرحلة اولى الى الاحاطة النفسية بالأم العزباء ثم الرعاية الصحية وتوفير المبيت لها وذلك قصد اثنائها عن التخلي عن طفلها، كما توفر الجمعية التوجيه القانوني والاداري لها قصد التحصل على حقوقها بصفة قانونية واثبات نسب ابنها سواء عبر التحليل الجيني او القضاء وتتحمل الجمعية كافة المصاريف العدلية.
واضاف محدثنا ان الجمعية تقوم في مرحلة أولى بايجاد حلول مع الأب البيولوجي وفي مرحلة ثانية بالوساطة مع العائلة والمحيط القريب وثالثا بتوفير الاستقلالية المادية عبر تمكين الام من تكوين مهني وايجاد مورد رزق لها .
وعن فترة اقامة الأم ورضيعها افادنا ان المدة المحددة نظريا هي 6 اشهريا وقد تصل في اقصى الحالات الى 9 اشهر مؤكدا الى الجمعية لا تتخلى عن الام ورضيعها دون ايجاد حلول جذرية لهما.
وتضم جمعية أمل حاليا 60 أمّا عزباء، واكد مالك كفيف ان الجمعية تحتضن سنويا بمعدل 200 أمّا عزباء وعادة ما تتراوح اعمارهن بين 16 و35 سنة، مؤكدا انه تم احتضان فتيات بين 14 و15 سنة، مبينا ان اغلبهن من الجهات الداخلية للبلاد وان مستواهن التعليمي متدن بل قد يصل الى الأميّة، وان حملهن كان نتيجة علاقات عرضية موضحا ان حالات الاغتصاب نادرة جدا .
المندوب العام لحماية الطفولة: 90 بالمائة من الاطفال يقع التكفل بهم او تبنيهم
وفي اتصالنا بالمندوب العام لحماية الطفولة مهيار حمادي أكد أن الدولة توفر الحماية للأم والطفل سواء من خلال التشريعات او من خلال إحداث مؤسسات اجتماعية لرعايتهما، حيث عادة ما تستقبل المكاتب الاجتماعية بالمستشفيات الأم وذلك بحضور الأطراف الأمنية قصد تسهيل عملية العثور عن الأب، ليتم في مرحلة ثانيا تحويل الأم ورضيعها سواء الى المعهد الوطني لرعاية الطفولة او الى الجمعيات.
ويذكر ان المعهد الوطني لرعاية الطفولة هو مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية راجعة بالنظر لإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية أحدث في31 ديسمبر 1971، ويحتضن الأطفال الى سن 6 سنوات ويتكون من جناحين أحدهما خاص بالادارة وأخر خاص بوحدات العيش.. كما يواكب المعهد إجراءات إثبات النسب ويشجع على تبنيهم. ويشرف المعهد الوطني لرعاية الطفولة أيضا على تقديم الخدمات لمراكز عيش خيرية تقوم بدورها برعاية الأطفال غير الشرعيين، ومن أبرزها جمعية ديار الأمل في العاصمة.
واكد محدثنا انه يتم امهال الأم مدة تقدر بعام ونصف قصد تحديد موقفها فاما استرجاع الطفل والدولة توفر لها في هذه الحالة دفتر علاج مجاني لها ولابنها او التخلي عنه نهائيا عن طريق القضاء، وفي حالات التخلي يقوم المعهد بالتشجيع على الكفالة والتبني مبينا ان 90 بالمائة من الاطفال يتم التكفل بهم او تبنيهم قبل بلوغهم سن الست سنوات، وفي حال حمل الطفل لاعاقة تتكفل به الدولة من خلال ايوائه بمركز سند بسيدي ثابت .
وبخصوص قرى الأطفال « اس او اس» وعددهم 4 قرى بكل من قمرت وأكودة وسليانة والمحرص، فبيّن محدثنا أن الأطفال الذين يتم ايداعهم بهذه القرى هم على ذمة امهاتهم وعائلاتهم الى غاية بلوغ سنّ الرشد ولا يمكن تبنيهم او كفالتهم .
واشار محدثنا إلى ان المعدل السنوي للأطفال المولودين خارج اطار الزواج يتراوح بين 1000 و1200 رضيع وان اعمار الامهات العازبات يكون عادة بين 20 و30 سنة .
وقبل ان يختم كلامه معنا بين محدثنا ان حالات استرجاع الطفل من امه يكون في حالة التقصير اوانعدام الرقابة او استغلاله في التسوّل وغيرها من الاعمال، أو في حالة جلب اشخاص غرباء الى المنزل او قيام الأم بما ينافي الاخلاق .
ختاما نشير الى أنّ الاحصاءات الرسمية المتوفرة غير دقيقة بالمرة، حيث واضافة الى تضارب الأرقام وهو ما لامسناه خلال هذا التحقيق هناك عديد الحالات والوضعيات غير المعلن عنها، من جهة أخرى نشير الى أن الاشكال الرئيسي اليوم يتمثل في نظرة المجتمع لا فقط الى الأم العزباء وتحميلها المسؤولية بمفردها دون اعتبار الأب البيولوجي مسؤولا في هذه الحالات، بل أيضا في تحميل الطفل للمسؤولية باسم العادات والتقاليد وتحويل حياته الى جحيم واقتياده غصبا الى الانحراف عبر نعته بابشع الاوصاف.
دون أن ننسى المعاملة السيئة للأم العزباء في المستشفيات وتعريضها للاهانة من قبل الاطار شبه الطبي وهو ما أكده المتدخلون خلال هذا التحقيق، وفي الختام تجد الأم العزباء نفسها ضحية ـ وان اخطأت ـ لمجتمع قاس ولتشريعات غير منصفة ولمعاملة سيئة وهو ما يجبر عادة هذه الفئة من المجتمع الى اعادة الكرّة مع انعدام التوجيه والاصلاح.
احصائيات مفزعة
تشير الاحصائيات الرسمية الى أن عدد الأطفال المولودين خارج اطار الزواج يتراوح بين 1000 و1200 سنويا، عدد هام تراجع نسبيا في السنوات الأخيرة أو هذا ما اثبتته الارقام الرسمية اي باستثناء حالات الولادات التي تكون بالمنازل وببعض المصحات الخاصة التي لا تطبق الاتفاقية الوطنية والتي تنص على الاشعار بالولادات خارج اطار الزواج، وتشير احدث الاحصاءات التي تمكنت أخبار الجمهورية من الحصول عليها من قبل الادارة العامة للنهوض الاجتماعي، تشير الى أن عدد الولادات خارج اطار الزواج لسنة 2015، بلغ 920 رضيعا، وحسب نفس الاحصاءات فقد تم تسجيل 39 حالة وفاة مباشرة لرضع اثر الولادة، وحالتان لولادة من محرم و15 حالة اهمال بالطريق العام و131 حالة عود، أي انجاب المرأة لأكثر من طفل خارج اطار الزواج، و33 حالة فرار لأمرأة اثر الولادة مباشرة.
وتبين مختلف الأرقام الرسمية أن غالبية هذه الولادات تسجل لدى فتيات أعمارهن تتراوح بين 15 و25 سنة حيث نجد 33 بالمائة من «الأمهات العازبات» تتراوح اعمارهن بين 20 و24 سنة، وأن 27 بالمائة منهنّ تتراوح اعمارهن بين 15 و19 سنة، كما تفيد الاحصاءات الرسمية أنّه عادة ما تكون الفتيات ذوات المستوى التعليمي الضعيف تتراوح بين الأمية التامة أو لم تتجاوز الأم مرحلة الابتدائي وفي افضل الاحوال المرحلة الثانوية، مع تسجيل عدد ضئيل لأمهات عازبات من الطلبة ومن أصحاب الشهائد العليا وتتصدر ولايات تونس وسوسة والمنستير المراتب الأولى من حيث عدد اشعارات المولودين خارج إطار الزواج والفاقدين للسند العائلي، وحسب الأرقام التي بحوزتنا فان 46 بالمائة من «الأمّهات العازبات» من ذوات المستوى التعليمي الإبتدائي، وأنّ 35 بالمائة منهنّ لهن مستوى تعليمي ثانوي، في حين أن 3 بالمائة منهنّ لهنّ تكوين أكاديمي جامعي.
وحسب دراسة للاخصّائي في علم الاجتماع «هشام الحرباوي»، والتي نشرت نتائجها في مارس 2015 فان أغلب الأمهات العازبات من الوسط الريفي ومن الفئة العمرية دون 20 سنة (بنسبة 23 بالمائة) أي مراهقات وقاصرات.
وتضيف الدراسة أنّ المنجبات خارج اطار الزواج، هنّ أميات (45 بالمائة) وذوات مستوى تعليم ابتدائي (36 بالمائة ) وإعدادي (8 بالمائة) وثانوي (9 بالمائة) وعال (3 بالمائة)، وهنّ أيضا عاطلات (82 بالمائة) وتلميذات وطالبات وعاملات في القطاع الخدماتي (6 بالمائة) وعاملات في القطاع الصناعي (3 بالمائة) وفي القطاع الفلاحي (2 بالمائة) وعاملات للحساب الخاص (1 بالمائة)، كما أنّ حوالي 4.5 بالمائة من الأمّهات العازبات ينجبن مرة ثانية وفق الطّريقة نفسها.
ملف من اعداد : سناء الماجري