الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة جيلاني السعدي يتحدث عن الفج في "عرس الذيب" ويكشف عن رؤاه السينمائية

نشر في  22 مارس 2018  (21:54)

في لقاء من تنظيم مهرجان «سينما السلام» في دورته 18، رفع المخرج جيلاني السعدي الستار عن عديد النقاط المتعلقة بالجانب الفج في فيلم «عرس الذيب» الذي عُرض لأوّل مرّة سنة 2008.

واستهل جيلاني السعدي اللقاء، الذي أمنته عضو نادي سينما تونس سيرين بوعجيلة، بالتعريج على حياته الشخصية مُبيّنا كيف نشأ بجهة بنزرت في محيط عائلي شعبي (J'ai baigné dans une réalité populaire) حيث كان والده وعدد من أفراد عائلته يشتغلون في ميناء المدينة.

وقال السعدي إنّ السينما كانت من أقرب التعبيرات الفنية اليه حيث تماشت مع حالته الاجتماعية. وكشف الضيف أنّه غادر في احدى المرّات معهده خلسة لمشاهدة فيلم «ظل الأرض» بحضور مخرجه الطيب الوحيشي، وقد عرضه آنذاك نادي سينما بنزرت، وذكر السعدي أنّ الطيب الوحيشي ببشرته الداكنة نسبيا وبشعره المجعد كسر حاجز «المستحيل» إذ وجد أنّه يشبهه وأنّ عالم السينما ليس بصعب المنال.

وحول علاقة السينما بالواقع، بيّن جيلاني السعدي أنّ السينما تمثل واحدا من أقرب السبل التي يمكن أن تمثل الواقع وأنّ ذلك لا يتضارب مع مضامين الحلم والحب والشاعرية وكل ما له صلة بالإنساني، وضرب السعدي مثال فيلم "خرمة" الذي لجأ  فيه لديكور طبيعي قائلا إنّ بعض الجدران تم تصويرها كما هي لأنها تتضمن افريزات قديمة وجميلة وذات شاعرية ولم يكن بحاجة ك إلى إعادة تزويقها مضيفا باللغة الفرنسية «Le réel est fondamental»..

وكشف السعدي إنّ البعض لامه لأنّه صوّر شخصيات بصدد التبول أو البراز في فيلم «وينو بابا» مثلا وعلّق أنّه لا يرى مانعا في تصوير مثل هذه المشاهد العادية من حياتنا اليومية أو غيرها من المشاهد العنيفة مثل تصوير واقعة الاغتصاب في فيلم «عرس الذيب»..

وأضاف مخرج "بيدون1" و"بيدون2" أنّه يعي حجم العنف الذي تتضمنه مثل هذه اللقطات حتى انّ والده على سبيل المثال لم يشاهد "عرس الذيب" بحكم الكلام البذيء الذي تضمنه مضيفا أنّ انتماءه لمجتمع عربي لا يمكن أن يمنعه من التطرق لمثل هذه المسائل لافتا النظر إلى أنّ واقعنا يتضمن عشرات الحالات من الاغتصاب الأشد ضراوة.. وقال إنّ السؤال المطروح عليه  يتعلق بكيفية التطرق الى موضوع الاغتصاب... "هل بالإضمار الزمني (ellipse)؟ لا لأنّ ما يهمني هو التوقف سينمائيا عند العتبة البسيكولوجية للمعتدي وكيفية تحوّل الفرد من شخص عادي إلى مغتصب".

وإثر عرض مقطع من "عرس الذيب" جسّد مشهد الاغتصاب، قال السعدي إنّ المشهد كان معقدا وإنّه استمد السيناريو من قصة روتها إحدى حريفات أمّه التي كانت تمتهن الخياطة... وتفيد القصة إنّ الحريفة كانت بائعة هواء وتعرضت لحالة اغتصاب من قبل مجموعة من شبان حيّها واتهمت فيها شابا لم يشارك في الاعتداء حتى اذا ما صفحت عنه تزوجها، وأنّ هذه الحكاية ظلّت ساكنة في ذهنه إلى أن طوّرها سينمائيا.

وبيّن السعدي إنّ "عرس الذيب" خلّف له صورة «المعادي للمرأة» (le misogyne) وكلّفه عديد الشتائم وحتى الردود الرافضة لعرضه بتعلة إنّه سيشوّه سمعة فضاء العرض ! واستخلص السعدي هذه المواقف قائلا إنّ معالجة موضوع المرأة العربية ليس بالبسيط.. وقال إنّه من بين الاسئلة التي طرحت عليه "لماذا اختار شخصية المومس لتجسيد دور البطلة" وكأنّ هذه الشخصية فاقدة للإنسانية، وبيّن السعدي إنّ فكرة "المومس" كانت أساسية مؤكدا أنّه يهتم بتصوير كل فئات المجتمع. وشرح أنّه دارت نقاشات عديدة مع أنيسة داود التي تقمصت دور بائعة الهوى حول رد فعلها إزاء الاغتصاب، فهل تصرخ أم تقبل بما يحدث لها لأنّها إذا ما قاومت فستنال مزيدا من الضرب، وقال إنّ شخصية المومس جديرة بالتصوير وهل لأنّها مومس، لا نهتم بها ولا نصوّرها سينمائيا.

كما بيّن المخرج أنّه اهتم أيضا بمجموعة من الشبان الذين يعيشون حالة من الكبت بعد أن افتك منهم البوليس سلعهم فاقتنوا بضعة علب جعّة بما تبقى لديهم من مال، الى أن عثروا على شخص (البطلة سلوى) جعلوا منهم ضحيته.

تلا ذلك عرض مقطع ثان من الفيلم يمكن اعتباره من أجمل مقاطع السينما التونسية، ويظهر فيه الممثل محمد قريع عاريا بعد أن نقله عدد من عمال النظافة بواسطة حاوية قمامة ثمّ في مجرورة مُحمّلة بالخضر الى المستشفى..

وعبّر الجيلاني السعدي عن تعجبه من عدم تتويج محمد قريع بأيّة جائزة بينما نالت أنيسة داود عديد الجوائز، وقد يكون مرّد ذلك -وفق السعدي- سلبية الدور الذي تقمصه قريّع، ولعدم قدرة المتفرجين على التماهي مع هذه الشخصية التي تعكس ضعفنا.. وبيّن أنّه كان يحبذ أن يكون قريع متخلصا من ثيابه كليا غير أنّه لو كان الأمر كذلك لما عرض الفيلم في تونس وأسرّ جيلاني السعدي للحضور أنّ هناك حلما يلازمه، وهو كابوس يضطر فيه لعبور المدينة عاريا بعد أن اختلست منه أدباشه.

وتحدث الضيف حول مختلف أساليب التصوير التي استعملها ومنها "اللقطات الكبيرة" (les gros plans) مثل التركيز على وجه "الذهبي" وهو بصدد الاغتصاب، واعتماد الكاميرا المحمولة التي تسمح بمرونة كبيرة خلافا لآلات التصويرة الثقيلة التي اعتمدها في "خرمة"، والتصوير الفوقي (plongée) الذي قال السعدي إنّه يوحي بكاميراوات الحراسة وبحالة المراقبة المسلطة على مجتمعاتنا وكان حينها متأثرا  بالحرب التي شنت ضدّ العراق، والكاميرا التي ربطها بالدراجة النارية التي يمتطيها قريّع لتبان الصورة في ارتعاشها العفوي وفي التصاقها بالشخصية التي تصوّرها.

وعلى المستوى الموسيقي، بيّن السعدي إنّ أغنية "بلد صغير" لفنانة الرأس الأخضر سيزاريا ايفورا أضفت بعدا استيتيقيا مضيفا أنّ ايفورا وافقت على مدّه بحقوق استغلال الأغنية بالمجان بعد أن شاهدت الفيلم.

وقال المخرج إنّ من أبرز سمات فيلمه الذهاب في منحى مناقض لانتظارات الجمهور (c’est un film anti-public) بالنظر لنوعية الشخصيات التي يعالجها والتي تحمل في غالبها هشاشة ما.. وقال السعدي إنّ ما يهمه هو كيف التطرق إلى هذه الهشاشة الإنسانية، "لي رغبة في الحكي وفي مسائلة هذه الهشاشة الإنسانية!" (Je filme les petites gens qui se démerdent. C’est ce que je veux. Je dis que leur vie existe.).



مواكبة شيراز بن مراد

تصوير أمازيغ