الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة مسرحية "المحروڤة" لنصر الدين الحجّاج: بين عفويّة الريف وخواء المدينة

نشر في  17 سبتمبر 2020  (13:16)

حول عفويّة الريف وخواء المدينة تمحورت مسرحية "المحروڤة" التي تم تقديمها في آخر عروضها يوم الاثنين 14 سبتمبر بفضاء الكرمن بعد جولة من العروض نظمتها الجمعية التونسية للتنمية الثقافية والفن المتجوّل.

وانبنت المسرحيّة التي أخرجها نصر الدين الحجّاج على أداء الثنائي شوقي الصعدلي ومنال الرياحي اللذان استدرجا المتفرج الى عوالم الريف الاولى حيث العفويّة والبدايات، حيث الأواصر والجيرة، حيث الوعود والأحلام البسيطة من خلال تقمّص أدوار مختلفة لشخوص من القرية. إسماعيل ودادا عيشة وسمرة وعم مسعود والأم حلّومة هم أرواح القرية وأعمدتها، كلّهم على سجيّتهم الأولى يتجادلون ويتجاذبون حول أشياء الحياة البسيطة: ما يصنع سعادتهم، رغباتهم، أحلامهم، خيباتهم، ومخاوفهم من العوالم الاخرى، تلك التي تتمركز خارج أسوار القرية.

ومن خلال أحاديثهم تتجلّى ثنائية الريف والمدينة بكل ما فيها من تناقضات وتضارب بين عالم العفويّة والسجيّة الأولى وعالم الخواء الذي تتسم به المدينة في عمرانها الفاقد للهويّة، في تواصل أفرادها المنعدم، في راوبطها المفقودة، في معاملاتها الباردة، فيرتسم حينها بعد الحنين على الركح: الحنين الى الفضاءات الطفولية الرحبة، الى العلاقات الإنسانية الدافئة، الى معنى المؤازرة والى المعتقدات ولو كانت باليّة، فهي تنمّ على التوجّس من المجهول، عن الخوف عن المجموعة ولا عن الذات وحدها، وهي فكرة مستلهمة من قصّة قصيرة لغابريال غارسيّا ماركيز "شيء خطير جدًّا سيحدث في هذه القرية".

وقد أرفق المخرج هذه المفاهيم بتوظيب ركحي موّفق بانت من خلاله سذاجة الأرواح الأولى، كما توقها الى الحريّة، فضلا عن مدى تعثرها، وأفق فرحها ووجيعة انكسارها. لاحت كل هذه المفاهيم لا من خلال مضمون تبادلها اللغوي بل من خلال الأداء الجسدي المرهف لكلا الممثليّن (شوقي الصعدلي ومنال الرياحي) في تعجبهما، في تحليقهما، في استفزازهما، في طريقة استغلال الفضاء الركحي الذي ارتدى تارة جبّة الريف الرحبة وتارة أخرى بدلة المدينة العمودية والضيّقة.

ولئن اكتست "المحروڤة" طابعا بيداغوجيا في طريقة تناولها للمفاهيم المذكورة أعلاه، فقد اتسم العمل في كليّته بشحنة من الأحاسيس الفردية التي تستوقف الذاكرة سواء كانت مُعاشة او مُتأتيّة من صور وانطباعات المشترك الاجتماعي. هذا الذي حتى وان ابتعد عنا زمنيّا او جغرافيا، فإنّ الفنون كفيلة بأن تعيده بسلاسة الى الواجهة. حتى لا ننسى من نكون وما يسكننا.

شيراز بن مراد