الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في محاضرة للاستاذة رجاء بن سلامة: عودة على أبرز المخطوطات المفقودة أو المنهوبة ودعوة لاعادة اكتشاف المنسي من التراث المكتوب

نشر في  23 سبتمبر 2022  (11:04)

في اطار منتدى "انسانيات" للعلوم الانسانية والاجتماعية الذي يلتئم بتونس من 20 الى 24 سبتمبر 2022، قدمت مديرة المكتبة الوطنية رجاء بن سلامة محاضرة تحت عنوان "بين أطلال التّراث المكتوب" اثارت فيها موضوع ضرورة نسج "برنس" التراث المكتوب من خلال اعادة اكتشاف المنسي والمفقود من التراث وضرورة المطالبة باسترجاع المنقولات الثقافية المنهوبة في الحقبة الاستعمارية وما قبلها.

وتعرضت الاستاذة رجاء بن سلامة في محاضرتها التي انتظمت بمعهد الترجمة بمدينة الثقافة الى تجربة بعث "متحف التّراث المكتوب" وما اعترض طريقه من صعوبات في جمع شتات المعلومات. واستعانت بن سلامة باستعارة العاشق الماكث على اطلال التراث لتُبين ان "العمل في متحف التّراث المكتوب يقع في هذه الأطلال، لكنّنا لا نبكي فقد الحبيبة، كالعشّاق القدامى، بل نعيد بناء ذواتنا" وفق ما اوردته في كلمتها المفتاحية.

وقالت المحاضرة "كنا كمن يقف امام جبل الثلج الذي يظهر منه جزء طافح على الماء اما الكتلة التحتية فهي ضائعة ومجهولة بل اننا لا نعرف في بعض الاحيان حتى عما نبحث عنه". واشارت بن سلامة الى ان فكرة الفقدان ليست بالغريبة عن الفكر النقدي العربي والمغاربي، وقد اشار لهذا الموضوع الشاعر والناقد ابن رشيق القيرواني (1064) والذي قال ان العرب كتبوا كثيرا من النثر الجيد وانه لم يتبق منه الا عشره. وقد فُقدت اشعار ابن رشيق القيرواني وضاع ديوانه "البديع عن شعراء القيروان" (عمل بعض المجتهدين على استعادة نصوصه) مثلما هو الحال لديوان ابن شرف (1029) الذي لم يصلنا منه الا 600 بيتا. واضافت المحاضرة ان اغلب مؤلفات ابن رشيق القيرواني فُقدت ومنها تاريخه الذي اشاد به ابن خلدون، وتم العثور على جزء من أثره بالمغرب بينما ضاع مجلدان حول معاقرة الخمر "كتاب الخمر والرفاهة" و"شغف الخمر".

-صورة من المحاضرة التي القتها مديرة المكتبة الوطنية رجاء بن سلامة بمعهد الترجمة

 واعترفت بن سلامة ان المؤلفات التي لم تصلنا من تلك الحقبة عديدة وعديدة حتى انه تم التفكير في بعث تنويهات سلبية (des notices négatives) في محاولة لادخال الاعمال المفقودة في الفهارس.

وضربت المحاضرة أمثلة دواوين مفقودة اخرى مثل الموسوعة الفلاحية للقرطاجني ماقون (Magon) والرواية اليونانية لرحلة هانون (Hanon).

وربطت رجاء بن سلامة مسألة فقدان هذا الارث الثقافي بعدة عوامل منها هشاشة محمل الكتاب اذ لم يكن ممكنا مقاومة حشرة الارقة حتى ان الكتاب القدامى كانوا يكتبون عبارة "يا كيكج احمي هذا الكتاب" ( O Kikaj, protège ce livre ) وحتى هذه العبارة محتها الارقة، ومنها ايضا استهداف الكتاب في الحروب بهدف الغاء السلطة المعرفية للخصوم وقد استهدفت مكتبات الاسكندرية وغرناطة وتومبوكتو في هذا السياق، ومنها ايضا ان الكتب كانت تحفظ في المساجد والبيوت الخاصة ودكانين النساخين مما يُعرضها للتلف والفقدان. وذكرت المحاضرة ايضا عامل هشاشة وضع الادباء والعلماء الذين كانوا يرتحلون بحثا عن سلاطين او حكماء يتكفلون بهم. وقد تعرض عدد منهم للغرق عند عبورهم البحر المتوسط مثلما حصل للتيفاشي القفصي (توفي سنة 1253) حيث غرق مركبه واغراضه ونجا بنفسه ولم يبق من ديوانه ابن الهاني سوى عنوان "الديباج الخسرواني في شرح ديوان ابن الهاني".

واضافت المحاضرة ان الموقع الاستراتيجي لتونس وتواجدها في منطقة عبور في قلب المتوسط جعلها عرضة للتنازعات، فعندما دمر الرومان قرطاج، اعتبرت موسوعة ماقون الفلاحية غنيمة حرب وقال المؤرخ بيلن القديم Pline l’ancien ان مجلس الشيوخ الروماني امر بترجمته من البونية الى اللاتينية. كما ان زحف بني هلال ادى الى خراب القيروان وتشرد ابن رشيق وابن شرف والحُصري.. اما خيول شارل كانت او شارل الخامس فقد دهست في غزو تونس سنة 1535 الكتب المحفوظة في جامع الزيتونة مما تسبب في تدمير عديد المخطوطات العربية. وحمل شارل كانت معه عديد الوثائق  القيمة ومنها المصحف الارجواني (le coran pourpre) ومصحف عدد 438 في 8 اجزاء، وهاتين النسختين من القرآن موجودتان في المكتبة الوطنية الفرنسية وتنسبان الى شارل الخامس !

وقالت المحاضرة انه مع فقدان الوعي بالقيمة التراثية لسكان البلاد التونسية في القرنين التاسع عشر والعشرين، تمكنت الهيمنة الاستعمارية من الانتفاع بعديد الغنائم التراثية كالمؤلفات والنقائش واصول المخطوطات، منها "قطب السرور" للرقيق القيرواني و"نزهة الالباب في ما لا يوجد في الكتاب" للتيفاشي، التي توجد اليوم في كبرى المكتبات الاوروبية وبعض منها في السعودية وقد هاجر اليها احد الوزراء حاملا معه 100 مخطوط وفي قطر اين توجد "القرآن الازرق" ومصدره القيروان.

ولاحظت المحاضرة ان تونس حاولت التحصل على نسخ من هذه المؤلفات غير انها واجهت صعوبات في تحقيق دلك ومنها ارتفاع كلفة جلب هذه النسخ.

ومن الامثلة الاخرى التي ضربتها المحاضرة لتبيان قيمة هذه الغنائم التي تم الاستيلاء عليها نقيشة مزدوجة اللغة لوبية-بونية اقتلعت سنة 1842 بأمر من القنصل البريطاني وتوجد حاليا في المتحف البريطاني، ونقيشة ثانية تحمل اسم حصاد مكثر  (Le moissonneur de Makthar ) مؤرخة بين 260- 270 بعد الميلاد تحمل قصيدة باللغة اللاتينية وتم اكتشافها سنة 1882 في مكثر، وهذه النقيشة جزء من شاهدة قبر كتب عليها نص يتحدث فيه فلاح عن كفاحه اليومي الذي جعله ينتقل من وضع المعاناة الى مالك وعضو بالبرلمان، وتوجد هذه النقيشة بمتحف اللوفر من غير التنصيص على اصلها التونسي.

وقالت المحاضرة انها في اطار العمل على المحافظة على التراث التونسي، توجهت بمراسلة لليونسكو حتى يتم التفكير في اخلاقيات التعامل مع الممتلكات المهاجرة.

وعادت بن سلامة في آخرة محاضرتها الى استعارة العاشق الذي يقف على الاطلال والذي يقول "بعد الحداد، دع ذاك" حتى يبني ذاتا جديدة غير ان العمل، وفق كلامها، يتمثل في الاقبال بشجاعة على اكتشاف المنسي من التراث وايضا المطالبة باسترجاع المنقولات الثقافية المنهوبة، وقالت ان هذا العمل هو جزء من عملية نسج برنس التراث المكتوب، ولعل الرقمنة التي تسمح بتدفق الوثائق التاريخية والكتب والمخطوطات وغيرها من المنقولات الثقافية تسمح بالتقدم في نسج هذا البرنس الذي نتوق للبسه كاملا.

شيراز بن مراد