الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في فيلم "أنف وثلاث عيون" للمخرج أمير رمسيس: انصاف لشخصية الدكتور هاشم الدنجوانية ولبعض النساء

نشر في  12 فيفري 2024  (14:01)

بقلم شادية خذير 

منذ سنة 1964 تاريخ صدور رواية "أنف وثلاث عيون" وشخصية الدكتور هاشم كما رسمها إحسان عبد القدوس والتي تتكتم على ما في داخلها وتترك العنان للحكم عليها بالدنجوانية وهي صفة الرجل المغامر المتعدد العلاقات والعاشق للتغيير ولم  يكن المخرج حسين كامل لينحو منحى آخر في الفيلم المقتبس من الرواية والحامل لنفس الاسم والذي صدر سنة 1972 .

 

الفيلم من بطولة محمود ياسين وميرفت أمين و نجلاء فتحي و ماجدة ويتلقف فيه المخرج شخصية الدكتور هاشم  ليتعمق في تجريدها من إنسانيتها ويقدمها على طبق لذيذ يتماشى والتمثل السائد  في تلك الفترة عن العلاقات العاطفية والتي العلاقات العاطفية سوى ضمن خط  استقطاب ثنائي  منقسم بين الخير و الشر أو  بين الذئب المفترس  و الحمل  الوديع.

 

الدكتور هاشم الوكيل هو نفسه في فيلم حسين كامل وهو نفس الذئب المتربص بقلوب ثلاث نساء في المسلسل الإذاعي الذي أخرجه محمد علوان بطولة نادية لطفي سميرة أحمد زوزو الحكيم وفي الحقيقة وجدت أن هناك أيضا مسلسل تلفزي بطولة كمال الشناوي ويسرا يحمل نفس الاسم وتشترك جميعها في تحويل  الرواية الى دراما رومنسية  تُركز على تعدد علاقات الدكتور هاشم المغامر الدنجوان المحب للتغيير وللسهر والمحكوم بمزاجية لا تحتمل الوفاء لقلب واحد  و تنفر من فكرة الارتباط والاستقرار.

 

تواطؤ بين أمير رمسيس والسيناريست وائل حمدي لتبرئة الدكتور "هاشم"

 سنة 2024 أنصفت الدكتور هاشم أخيرا، التبرئة جاءت على يد كاتب السيناريو وائل حمدي والمخرج أمير رمسيس و المنتجة شاهيناز العقاد الذين كانت لهم الجرأة في تقديم شخصية الدكتور هاشم نفسها ولكن بشكل مغاير وقد قدموا الفيلم الخميس 8 فيفري 2024 بمناسبة انطلاق عروضه الأولى في تونس وهو الذي قدم سابقا في عرضه العالمي الاول خلال فعاليات مهرجان البحر الاحمر السينمائي الدولي في ديسمبر 2023.

فيلم أنف وثلاث عيون بطولة كل من ظافر العابدين وصبا مبارك وسلمى أبو ضيف وضيفة الشرف أمينة خليل في دور نجوى يعطينا مفتاح فهم شخصية الطبيب هاشم على لسان علياء  الطبيبة النفسية والتي تؤدي دورها الممثلة صبا مبارك عندما تقول للدكتور هاشم هناك  عين للعقل وعين للغريزة وعين للقلب لنفهم أن العيون الثلاث ليست عيون رحاب ولا نجوى وإنما عيون الشخصية الرئيسية  نفسها  والتي أملت سلوكه ونحتت شخصيته.

 

في فيلم أنف وثلاث عيون تحالف المخرج أمير رمسيس مع السيناريست وائل حمدي من أجل أن  تتحرك شخصيات الفيلم  وفق خط درامي رومنسي  يبدو أكثر إنسانية وعمقا في تفكيك الشخصيات وعالمها النفسي.

 

الرغبة في إنصاف الدكتور هاشم وجّه الفيلم نحو سبر أغوار شخصية الدكتور هاشم في محاولة لفهم نسيج علاقاته وما يحركها في علاقة بتاريخ الطبيب وطفولته وليس على علاقاته وهو تناول مختلف فيه خيانة ليس فقط للرواية التي كتبها إحسان عبد القدوس ولكن لكل ما قدم من إقتباسات لهذه الرواية من أفلام ومسلسلات تلفزية وإذاعية.

 كان التواطؤ واضحا بين رجلين المخرج أمير رمسيس والسيناريست وائل حمدي لخوض غمار تحد كبير وهو كسر جملة من الاحكام المسبقة حول العلاقات العاطفية دون الرغبة في الاجابة عن جميع الاسئلة المطروحة عن تأخر سن الزواج عن صورة الطبيب النفسي وقد تفردت صبا مبارك في لعب دور الطبيبة النفسية عن تأثير العلاقات داخل الاسرة وبين الزوجين عل بقية أفراد الاسرة ودورها في تكوين نظرة ما عن طبيعة العلاقات.

 

المخرج  أمير رمسيس يرفع مرة أخرى تحدي  فهم الآخر المختبئ داخل كل شخصياته (فيلم حظر تجول 2020)  مستعملا في ذلك تقنيات تحبس الشخصية الرئيسية داخل سلسلة من الفضاءات الداخلية  في المنزل والمكتب وعيادة الطبيبة النفسية مع إستعمال إضاءة خافتة بعيدة عن مختلف مصادر الضوء  وهي تحيلنا على الداخل النفسي لشخصية البطل الذي اختير له ملابس داكنة في تنويعات على اللون  الأسود وهو اللون الوحيد الذي لا يعكس الضوء، ننظر لشخصية هاشم من خلال النوافذ تشقها إنعكاسات الضوء أو من خلال زوم قريب جدا لوجه الممثل يكاد يلقي بنا في داخله المظطرب الحائر وحتى في تلك الفضاءات المفتوحة فلا يشعرنا المخرج أن الشخصيات تمتلك الفضاءات وتعيش داخلها بكل حرية بل تتقوقع على نفسها وتختار مساحات أضيق حتى أن في مشهد اجتماع العائلة خارج منزل والد الدكتور هاشم فضل الممثل الدخول للمنزل والانفراد بالحديث مع والده.

  

الفيلم يبدو أقرب الى  محاولة لفهم طبيعة العلاقات العاطفية بعيدا عن  فهم كلاسيكي محدود يكتفي بالأحكام المسبقة  والتي تميل الى إختزال العلاقات العاطفية في رجال  همهم الوحيد  الإيقاع بالنساء الرومنسيات  في استبطان لذكورية دنجوانية إزاء رومنسية ساذجة تبدو عليها المرأة في شكل الضحية المغدور بها وهي الخريطة الوحيدة للعلاقات التي رسمتها الأعمال السابقة المقتبسة من الرواية والتي غفلت عن تقديم الطابع المعقد للشخصيات وخاصة للمرأة والتي قد تبدو أكثر المتضررات من هذه الصورة التي علقت بذهن  أجيال عديدة.

 لذلك لم ينصف ظافر العابدين في هذا الفيلم شخصية الدكتور هاشم فقط ولكنه أنصف جميع الرجال  وبعضا من النساء.