ثقافة «شبابك الجنة» لفارس نعناع: عندما يبكينا الأب الملتاع لطفي العبدلي..
بطريقة بسيطة وتلقائية وممزوجة بالكثير من الذكاء والحنكة في صياغة السيناريو قدم المخرج فارس نعناع ضمن فعاليات الدورة 26 لأيام قرطاج السينمائية اخر أفلامه الطويلة «شبابك الجنة»، هذا الفيلم الذي ولئن لم يحصد أي جائزة تذكر فانه سيظل محفورا في ذاكرة كل من شاهده.
الفيلم من انتاج مؤسسة سينى تيلى فيلم ويتقمص أدواره الرئيسية كل من لطفى العبدلى في دور الزوج «سامي» وأنيسة داود في دور زوجته «سارة» بمشاركة منى نور الدين «والدة سامي» وشاكرة الرماح « شقيقة سارة» ومارتين قفصى وعبد الغنى بن طارة «والدي سارة» اضافة الى العديد من الممثلين...
في ّشبابك الجنّة» نجح فارس نعناع بحسه المرهف على اجبار المشاهد على متابعة قصة فيلمه الى النهاية رغم بساطة القصة ولعل ما ساعده في ذلك هو الكاستينغ حيث تفوق العبدلي وتمكن من كسب تعاطف الجمهور من خلال أدائه لدور الأب الملتاع والتائه الذي تغيرت حياته واتخذت منحى مغايرا بعد وفاة ابنته «ياسمين» غرقا» ولعل احساسه بالذنب لوفاتها كان وراء معاناته المضاعفة حيث انشغل عنها بالحديث مع أصدقائه بينما تركها تلهو وحدها على شاطئ البحر الى أن غرقت فى غفلة منه، كما تميزت أنيسة داود في اداء دور الأم الممزقة بين فقدان ابنتها وبين هجران زوجها لتنغمس في عالم الموسيقى وتنخرط فى فرقة موسيقية نسائية للهروب من واقع جديد ترفضه.
الفيلم يروي دراما عائلية بين زوجين يفقدان ابنتهما الوحيدة ذات الخمس سنوات. تتسبب هذه المأساة في ارتجاج العلاقة بينهما وذبول الحب الذي جمعهما طيلة 7 سنوات، وبطريقة فيها الكثير من المشاعر والرومنسية ينجح المخرج فارس نعناع في تصوير هذه الدراما وفي جعل المتفرج يتوه في القصة، ورغم قتامتها فقد تمكن فارس نعناع من خلق الضحكة أحيانا من خلال بعض المشاهد الطريفة التي خلقها لطفي العبدلي باسلوبه الساخر .
وفي محاولة المخرج اخراج البطلين من حالة الحزن القاتم الذي خيّم على واقعهما يسلط الضوء على عديد الظواهر الاجتماعية ويرصد التقلبات التي عاشها المجتمع التونسي اثر الثورة لكن بطريقة ذكية وبعيدة كل البعد عن المألوف، حيث يصور اهتزاز شخصية الأب بين فاعل الخير الذي يسعى الى حجز مكان بالجنة عبر تبرعه ببناء المساجد وانتقاله الى الرجل السكير والزاني، ،وشخصية الأم كذلك التي تحولت بعد وفاة ابنتها الى امرأة متدينة بعد أن كانت تنتقد بث الآذان في الفضاءات العامة، وهي تناقضات تذكرنا بشخصية التونسي التي أثرت فيها التغيرات السياسية .
وبكثير من التأني يخرج فارس نعناع بطليه من حالة الضياع ويعيدهما الى الطريق السوّي الى حياتهما العادية ويزرع الأمل داخلهما من جديد ولعل في ذلك اشارة الى الطريق الذي يجب أن تتخذه تونس للخروج من بوتقة الظلام الى النور .
رغم بساطة النص والقصة فان الحبكة الدرامية للفيلم جعلته قريبا للمشاهد واقرب لمشاغل المجتمع التونسي بعيدا عن لغة الخيال والمغالاة والتقنيات المتطورة حيث اعتمد المخرج على تقنية «الفلاش باك» ليراوح بين احداث الماضي والحاضر بطريقة سلسة وغير معقدة وفيها الكثير من الرمزية بعيدا عن العنتريات التي غالبا ما نشاهدها في السينما التونسية، فاكتفى المخرج بملامح وجوه ابطاله وبلغة بسيطة لايصال معاناة ودراما اجتماعية.
الفيلم يعالج ايضا ظاهرة الزواج خارج الأطر الشرعية وما يمكن أن يولده داخل الأبناء، فسامي ترعرع وكبر صحبة والدته التي انجبته بعد زواج عرفي من رجل متزوج وله ابناء، ولعل هذا الحرمان الذي عاشه البطل هو ما يفسر تعلقه الشديد بابنته وحالة الانهيار التي اصابته اثر فقدانها ..
على امتداد 83 دقيقة تمكن فارس نعناع صحبة لطفي العبدلي وأنيسة داود وبقية الممثلين وبطريقة ذكية من اصطحاب المشاهد الى عالم بسيط من خلال قصة حبلى بالرسائل والتشويق والرومنسية...
ملاحظة: يعرض فيلم «شبابك الجنة» طيلة شهر ديسمبر بعدد من قاعات السينما.
سناء الماجري