ثقافة وان مان شو «سابيانس» لوليد العيادي وعصام العياري: كـومـيـديـا ضـاحـكـة عـن عـالـم مـجـنـون
نص كوميدي مجنون وساخر، انتقد التونسيين والأمريكان والسوريين وغيرهم من بشر هذا العالم التائه والموغل في التناحر والحروب... هكذا جاء وان مان شو «سابيانس» الذي أخرجه وليد العيادي وقدمه الممثل عصام العياري على ركح مسرح التياترو في إطار تظاهرة «العرض الأوّل».
يصعد عصام العياري على الركح حاملا زيّا أسود وسلاحا متطورا فيُلّخص في لوحة وحيدة ميزة العالم الذي أضحينا نعيش فيه: عالم مظلم يتكالب فيه الأقوياء وراء مصالحهم، لا همّ لهم في سلام البشرية بل كل ما يعنيهم هو استغلال الثروات ونهبها ولو تطلب ذلك إراقة الدّماء وإبادة الشعوب.
ثمّ تتوالى المشاهد الواحد تلو الآخر لتروي بكثير من الهزل طبيعة هذا الإنسان الذي فرّ من عقاله في اتجاه الانتهازيّة والخيانات وتقديس المال وسلطة المظاهر.
ومن اللوحات التي لفتت انتباهنا بشكل خاص لوحة اللاجئين السوريين الذين التحقوا بألمانيا، ولوحة الرئيس الأمريكي بوش الذي يتكلم بالعربية واللتان تستدرجان المتفرح إلى قمّة الضحك.. وكذلك لوحة البطل الذي يطلب من طبيب تجميل أن يُكثف من غزارة الشعر الذي يكسو جسده وأن يصبح شبيها بقرد الشمبانزي، فعالم القردة قد يكون أهون من متابعة انحدار الحضارة الإنسانية! هذه الحضارة التي كان العلماء العرب ابن الهيثم وابن حزم وغيرهما من أبرز صناعها..
ومن خلال هذه القصص، يُعبر البطل عن رفضه لهذا العالم المُشوّه وعجزه عن التماهي مع أناس مازالوا يرفعون مقولة «اضرب القطوسة تتربى العروسة» قائلا: «منجمش نكون كيفهم!» ويقرر في نهاية العمل المسرحي العودة إلى مغارة الانسان البدائي، التي وصفها كاتب النص بـ«العصر الذهبي للإنسانية»، بحثا عن راحة البال وعن الطبيعة العذراء التي لم يهتكها ولم يلوّثها «الإنسان المتمدن».
ينزع «البطل» ملابسه، يحمل وردة حمراء، يتشبه بالشمبانزي، يُشهر سلاحه، يتقمص دور الرئيس الأمريكي جورج بوش، يضرب موعدا مع النساء الديمقراطيات، هي بعض من «الفلتات» التي جسّدها عصام العياري بكثير من التلقائية الركحية التي تناغمت مع الديكور ذي الطابع التكنولوجي، فكانت «سابيانس» مفعمة بالحيوية وبالفكاهة التي لا تستسهل الكوميديا بل تدفع الى التفكير والسؤال عبر الهزل.
ودون كشف المزيد من تفاصيل هذا العمل المسرحي، وجب التأكيد على جانبه الهزلي والجريء الذي لم يعترف بالخطوط الحمراء بل تحداها ليتطرق الى عدة مواضيع كالجسد والتدين من زاوية أقل ما يمكن أن يقال عنها إنّها «مجنونة» بالمعني الإيجابي للكلمة.
في «سابيانس» انتصر حب الحياة في شكلها الفطري والطيب على منطق الحروب والعقليات المريضة والديمقراطيات العرجاء لأنّ الإنسان «بإمكانه أن يعيد كل شيء من جديد إلى ما كان عليه» مثلما جاء على لسان عصام العياري في آخر العمل المسرحي...
يعاد عرض «سابيانس»، وهي من انتاج شركة «ألكازار» بفضاء التياترو بالعاصمة أيام 31 مارس و1 و2 أفريل انطلاقا من الساعة السابعة والنصف.
شيراز بن مراد