الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة ما لا تعرفه عن الديانة البهائية بتونس

نشر في  09 ماي 2016  (17:32)

تُعتبر البهائية ديناً جديداً في تونس، قياساً على الإسلام واليهودية المنتشرين في البلاد منذ قرون. لكنها ليست ديانة جديدة ظهرت منذ سنوات. يعود حضورها المبكر إلى بدايات القرن العشرين. حدث ذلك حين ارتحل عام 1921 من مصر، شيخ أزهري يسمى محي الدين الكردي، واستقر في تونس لتبليغ التعاليم البهائية، مكلفاً من عباس أفندي (1844 -1921) المُلقب بعبد البهاء، وهو نجل بهاء الله، مؤسس الدين البهائي.
 
ووفقاً لمكتب الإعلام، التابع للمحفل الروحاني المركزي للبهائيين في تونس، فإنه بعد قدوم الشيخ الكردي إلى تونس: "آمن عدد من التونسيين بالدين البهائي، وساهموا بدورهم في إيصال البهائية إلى أصدقائهم ومعارفهم". إذ تؤكد بيانات تعود للعام 1963، وجود محفل روحاني مركزي في تونس، يشرف على 18 محفلاً روحانياً، منتشرةً في منطقة شمال غرب إفريقيا.
 
بعد استقلال تونس عام 1956، لم تمنح السلطات الجديدة ترخيصاً قانونياً للنشاط البهائي، لكنها في المقابل لم تغلق المركز البهائي العام في العاصمة، وغضت الطرف عن نشاط البهائيين من دون أن تعترف بهم رسمياً. عام 1969 أصدرت السلطات قانوناً يتعلق بـ"الاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والتظاهرات والتجمهر". وعليه تم حل المحفل الروحاني الإقليمي لشمال غرب إفريقيا، الذي كان مقره تونس. لكن المحفل الروحاني التونسي أعاد تشكيل نفسه من خلال انتخابات عام 1972.
 
كيف أصبحوا بهائيين؟
 
بعد عقد ونيف من تحوله للبهائية، يعود محمد بن موسى، إلى سرد خطواته الأولى في هذا الطريق الجديد: "ولدت في عائلة مسلمة، وكنت مهتماً بالدين منذ شبابي ملتزماً الشعائر الإسلامية، لكنني وجدت نفسي وسط العديد من التساؤلات الوجودية. لم أجدني مرتاحاً وسط تناقضات جمة تحيط بي، ممزقاً بين تطور العصر وعملي وبين قناعاتي الدينية. خضت لاحقاً درباً وعرة للبحث والدراسة، إلى أن وجدت الطمأنينة والجواب المفقود في تعاليم حضرة بهاء الله. وجدت الراحة والجمال معاً. عثرت على التعاليم المنسجمة مع واقعي، مع تطور العصر".
 
الاعتراف المفقود
 
عام 1984 أغلقت السلطات المركز البهائي العام، واستجوبت البهائيين. سبقت ذلك حملة إعلامية تونسية على البهائية وصفتها بـ"الحركة الهدامة وصنيعة الصهيونية". جاءت هذه الحملة في سياق السياسية التي انتهجها رئيس الوزراء التونسي، وقتذاك، محمد مزالي، الذي يعرف بقربه للحركة الإسلامية. وساهمت فيها صحف ومجلات قريبة أو تابعة لحركة الاتجاه الإسلامي (النهضة لاحقاً)، والتي كانت تمثل فرعاً لجماعة الإخوان المسلمين في تونس.
 
وتعاملت السلطات التونسية مع القائمين على شؤون البهائيين بشكل غير رسمي من خلال المحفل الروحاني المركزي، الذي واصل نشاطه وانتخاباته السنوية بالرغم من غياب رخصة العمل القانوني، وما زال الوضع على ما هو عليه حتى اليوم.
 
ويقول محمد بن موسى، عضو مكتب الإعلام في المحفل الروحاني البهائي بتونس: "عقب الثورة تقدم بعض البهائيين بطلب تأسيس جمعية مدنية هدفها خدمة البلاد، جوبه بالرفض بحجة أن الجمعية تحمل اسم الجمعية البهائية، وعليه تقدم المؤسسون بدعوة قضائية للمحكمة الإدارية للطعن في قرار رئاسة الحكومة، والقضية ما زالت جارية". ويضيف: "الجمعية ليست هدفاً في حد ذاتها بالنسبة للبهائيين في تونس، لكنها مجرد آلية لتنظيم خدمة المجتمع، ومد جسور التواصل مع الجميع".
 
يُشار إلى أن هذا الرفض الإداري للجمعية البهائية يتعارض مع ما أقره الدستور التونسي الجديد، الذي يؤكد الفصل السادس منه على أن: "الدّولة راعية للدّين، كافلة لحريّة المعتقد والضّمير وممارسة الشّعائر الدّينيّة، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التّوظيف الحزبي. وتلتزم الدّولة بنشر قيم الاعتدال والتّسامح وبحماية المقدّسات ومنع النّيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التّكفير والتّحريض على الكراهية والعنف وبالتّصدّي لها".
 
النظام الإداري البهائي والعلاقة مع الدولة
 
وعن علاقتهم بالدولة يوضح بن موسى: "في البهائية لا يوجد رجال دين، لدينا نظام حوكمة ذاتية. عندنا مؤسسات منتخبة سنوياً، فيها رجال ونساء وتمثل البهائيين في البلاد. هذه المؤسسات هي المخولة بالاتصال بالدولة ومؤسساتها، لكن الدولة ترفض الاعتراف بنا، بالرغم من وجود وزارة للشؤون الدينية. والتي من المفترض أن تضع في مجال اهتمامها كل الأديان. ويطرح البهائيون على أنفسهم المشاركة في الحوارات المتعلقة بالشأن العام للاستفادة من التجارب الوطنية والتعلم منها وإبداء الرأي في بعض القضايا. فمثلاً شاركنا في مداولات كتابة الدستور الجديد، وقدمنا للجان المجلس الوطني التأسيسي رؤيتنا بكل تواضع ومحبة. هذا شكل علاقتنا بالدولة، والذي فيه الكثير من التناقض، لا وجود لاعتراف رسمي ولا وجود لإقصاء تام، لكننا نحن دائماً من يبادر بمد حبل الوصل".
 
رفعت السلطات الحظر عن التمثيل الإداري البهائي، خلال العشرية الأولى من القرن الـ21، ما سمح للبهائيين بتشكيل هيئاتهم الإدارية على الصعيد المحلي. يشير البهائي رضا بن حسين إلى أنه يوجد في منظومة الدين البهائي نظام إداري تشرف عليه مؤسسات منتخبة، تقوم على خدمة الأحباء (اصطلاح بهائي لتسمية البهائيين)، من خلال الإشراف على شؤونهم الدينية والاجتماعية. وهو يتألف من تمثيليات محلية ووطنية وعالمية. وهي هيئات، تضم كل منها تسعة أعضاء عن طريق الانتخاب الحر والسري، من دون أن يقوم الأفراد بالترشح إلى عضويّتها، فالاقتراع يتمّ على الأشخاص الذين يأنس فيهم الأحبّاء الثقة والكفاءة".
 
المصدر: (رصيف 22/تحقيق بقلم الصحفي أحمد نظيف)