ثقافة فيلم "جسد غريب" لرجاء العماري: في عمق غربة الذات والوطن..
جسد غريب يحط الرحال في بلد غريب، هو الخيط الرابط الذي ارتكز عليه فيلم «جسد غريب» للمخرجة رجاء العماري والذي يعرض حاليا بعدد من قاعات السينما. عمل جديد ينضاف الى السينما التونسية وهو من انتاج المديرة السابقة لأيام قرطاج السينمائيّة درّة بوشوشة فوراتي.
ينفتح الفيلم بصورة ذات مقطع كبير لمجموعة من «الحراقة» في البحر والممثلة سارة الحناشي في دور سامية من ضمنهم، يتقلب القارب الصغير لتسفر الحادثة عن غرق يافعين مع صورهم وذكرياتهم التي تنساب في قلب البحر كأشلاء حيوات تتبخر في العدم. تنجو سامية من الغرق، وتصل الى احدى المدن الفرنسية حيث تحتمي بقريب لها يدعى عماد (سليم كشيوش) فينقلها الى المبيت الذي يأويه مع أصدقائه.
ومن خلال هذه الوضعية الانسانية الحرجة بشخصياتها التائهة الحائرة، تنقل رجاء لعماري تيمات الجسد في علاقتها بالآخر: الرغبة، الصدام، الخوف، العنف، الاندفاع، التحرر وذلك من خلال كاميرا "حسية" تقتفي أثر تلك الأشياء الصغيرة التي تتغلغل في دواخل الأفراد.
تلتقي سامية بمدام برتو (الممثلة هيام عباس) المتوفى زوجها حديثا عن طريق اعلان عمل، تتمكن من العمل لديها كمعينة منزلية في البداية قبل أن تتطوّر الأحداث ليتداخل الايروس مع الواقع بكل ما يتضمنه من تناقضات. ينكشف حينها المشهد المخفي والذي لم يكن ظاهرا للعيان: رغبة الأجساد المحرومة برائحة شرقيّة تحاول أن تعيد للكيان بريقه، وأن تقطع مع ذبول الجسد وخيباته.
ويتضمن الفيلم، وهو الفيلم الطويل الرابع للمخرجة بعد "الساتان أحمر" و"الدواحة" و"ربيع تونسي" مشاهد على غاية من الحسية مثل مشهد رقصة سامية في أحد المطاعم والمشهد الذي جمع الثالوث سامية وليلى وعماد، ولقاء الحمام وهي مشاهد أعطت دفعا شعريا وبعدا عاطفيا لقصة انسانية هادئة ومثيرة في نفس الوقت.
بِرقة، صورت رجاء لعماري في فيلمها الجديد "جسد غريب" لُبس الأجساد التي تعيش على وقع غربة سواء كانت جغرافية أو شخصية، غربة المرأة والرّجل بين الرفض والقبول، وبين الحيرة والغموض، كلها تباينات حملتها الشخصيات الرئيسية الثلاث، شخصيات تاهت في بحر الضياع قبل أن تطفو على السطح في موعد متجدد مع الحياة.
مروى القنيشي