الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية جرت بين 25 و28 ماي 1958 واستشهد فيها القائد مصباح الجربوع: معركة رمادة في مسار معارك الجلاء

نشر في  26 ماي 2018  (18:43)

أ.عميره عليّه الصغيّر

المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر 

معركة  رمادة  التي حدثت بين 25 و 28 ماي 1958، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من الإعتداء الفرنسي على قرية سيدي يوسف (8 فيفري 1958) هي في الواقع احدى المعارك الهامة في سلسلة المجابهات التي خاضها التونسيون حكومة و جيشا و شعبا من أجل تكريس السيادة الوطنية على التراب التونسي ما بين 1956 و 1961 .

هي معركة هامة من معارك مسار الجلاء العسكري عن البلاد التونسية استشهد فيها القائد مصباح الجربوع  و في مقالي هذا لن افصل في احداث هذه المعركة الهامة بل سأتناول  الشروط السياسية و الإجتماعيّة و الأمنية التي كانت الدولة التونسية تكرّس فيها سيادتها على ترابها و أتوقف عند أهم الأحداث فيها.

أولا: اكراهات و عوائق بسط السيادة على التراب التونسي

في الواقع كانت الدولة التونسية منذ اتفاقيات الاستقلال الداخلي في 3 جوان 1955 تتحرّك ضمن إكراهات وضغوطات عدّة  تبرز في المعطيات التالية:

*صعوبات  مادية و مالية

حكومة الإستقلال بزعامة بورقيبة لم تجد فقط تحديات كبرى و صعوبات سياسية لتكريس السيدة الفعلية للدولة المستقلة قانونيا لكن على الورق، بل اعترضتها صعوبات مادية  شاقة  منها فراغ كأس الدولة من المال و هروب نسبة كبيرة من الأرصدة و تحويلها الى الخارج و تراجع الإنتاج الفلاحي لسنوات عجاف متتالية  و ضغوطات كبيرة على الدولة لتشغيل العاطلين  وهرسلة من قدماء المقاومين و مطالبتهم "في حقهم في الإستقلال" ، كما يدعون،و حتى لجوء البعض منهم لتهديد أمن الدولة ذاته و الهجوم على مقر الحكومة أصلا ، علاوة على تبعات ما أحدثه الانقسام في الحزب الحر الدستوري و بقية مكونات الحركة الوطنية حول اتفاقيات 3 جوان 1955 و مواصلة عدد كبير من المقاومين رافعين السلاح مع المجموعات الجزائرية تحت راية تحرير شمال افريقيا كاملا و ناجزا و تحت راية تضامن التونسيين مع اخوانهم الجزائريين ، مما زاد في تشتت مجهودات دولة الإستقلال.هذا اذا أضفنا حاجة الدولة آنذاك لاعتمادات كبيرة  لتسيير دواليبها و تسليح جيشها و قوات أمنها، يجعلنا نتصور الصعوبات القائمة زمنذاك أمام دولة الإستقلال لبسط سيادتها الفعلية على ترابها الوطني.

*من الجانب الفرنسي

كانت حريّة حكومة بورقيبة رغم إمضاء برتوكول الاستقلال في 20 مارس 1956 مقيّدة حيث لم تسترد البلاد فعلا سيادتها لأنه و إن أقر هذا البروتوكول للدولة التونسية  حق السيادة الخارجية و حق بعث نواة جيش وطني فانه ربط ذاك بما سمي بواجب "التكافل" ( l’interdépendance )، الذي كانت تفهمه الحكومة الفرنسية على ضرورة الوجود العسكري الدائم لها بالبلاد التونسية ، خاصة و أنها كانت تجابه حرب التحرير الجزائرية  و كانت البلاد التونسية قاعدة خلفية فعلية لها.حيث كانت الحكومة الفرنسية تساوم الحكومة التونسية  ولاءها و خضوعها لشروطها وادارة الظهر للمقاومة الجزائرية ، مقابل الإعانة المالية التي كانت أقرتها اتفاقيات الإستقلال و التي ستحجبها فرنسا عديد المرات عقابا للتونسيين على دعمهم للجزائريين.

*من جانب التضامن مع الإخوة الجزائريين في معركة التحرير

أضحت تونس خاصة بعد 1956 و تشديد الخناق على المقاومة الجزائرية و الجرائم التي استهدفت المدنيين في الجزائر الملجأ الرئيسي للجزائريين حيث استقبلت البلاد التونسية  اكثر من 200 الف مهجّر و قد تطلب ذلك جهدا كبيرا للإيواء و ضبط الأمن ، في بلد  هو ذاته في حاجة للإعانة المادية أصلا و تحت رحمة فرنسا. و الأخطر كان نتائج واجب التضامن مع المجاهدين الجزائريين الذين انكفؤوا في أعداد متزايدة منذ اندلاع حرب التحرير في 1 نوفمبر 1954 و قوس المقاومة المشتركة اليوسفية الجزائرية في وحدات مشتركة من شمال تونس الى جنوبها ( 1955-1957)، حيث ارتفع عدد المقاومين المسلحين الجزائريين  المتواجدين على التراب التونسي من شماله لجنوبه من حوالي  الفين سنة 1957 الى 22 الف سنة  1962 مما زاد من اصرار الجانب الفرنسي على الإحتفاظ ببقاء وحداته العسكريّة بتونس لقطع تموين الثورة الجزائرية بالسلاح ( مع الملاحظ أنّ 80 % من الأسلحة للمقاومة الجزائرية مرت عبر تونس رسميّا و تهريبا) و ضرب جيش الحرير الذي أضحت تونس قاعدة خلفية له للتموين و التجنيد و التسلح و التكوين و حتى شن ضربات من خلال الحدود رغم خطي شال و موريس. لم يقتصر الدّعم الرّسمي لجيش التحرير الوطني الجزائري على تسهيل مرور السّلاح (80% من السّلاح مرّ عبر تونس) ([1]) وحتى تسهيل اقتنائه وحشد المال لذلك ([2]) بل تمثّل خاصّة في التسهيلات المختلفة التي منحت لقيادة الثورة الجزائرية لتنظيم الجزائريين في تونس وقبول المتطوّعين والتحرّك الحر لوحدات جيش التّحرير وبعث مراكز التّدريب والتعليم والمناورة ومخابئ الذّخيرة والأسلحة في مختلف جهات البلاد وتسهيل تنقل القيادات داخل تونس وعبر العالم بمنح الوثائق الإدارية وجوازات السّفر والتأشيرات ([3]).علاوة على تحول تونس عاصمة للحكومة المؤقتة الجزائرية(GPRA)  و لإعلام المقاومة(جريدة المجاهد و صوت الجزائر الحرة الذي كان يبث على امواج اذاعة تونس) 

كذلك هذا الوجود العسكري الجزائري الكبير  سبّب مشاكل عدة للدولة الناشئة خاصة و أن وحدات جيش التحرير كانت تتحرك في عديد الحالات و كأنها في"أرض محررة" دون اعتبار لسيادة تونس مما احدث عديد المشاحنات بين الطرفين، كما اقرّ آنذاك المقدم قاسي أحد قادة جيش التحرير في تقريره في 5 افريل 1960 لوزير الخارجية في الحكومة الجزائرية المؤقتة .

*اصرار المغالين من الإستعماريين على التراجع في استقلال تونس

كان الاستعماريون الفرنسيون من المعمرين و من العسكريين خاصة ضد سياسة المتروبول  و غير راضين على التفويت في المستعمرات و يعملون على قلب النظام أصلا  في اطار ضعف حكومات الجمهورية الرابعة و يرون كل مرونة مع الحركات الوطنيّة تزيد خصومهم قوة وكان في هذا الإطار رسم خطة "المشذب و المعول"-Serpe et pioche-  تحت إمرة الكولونال Mollot  الخطة التي كان الجيش ينوي تنفيذها في 22 ماي 1958و التي كانت ستدخل المنطقة في حرب شاملة  ، لولا تدخل الجنرال دو قول لإبطلها.هذا طبعا لما منحته السلط الفرنسية نفسها من حق في اختراق الحدود التونسية الجزائرية و مطاردة المقاومين الجزائريين تحت ما اسمته "حق التّتبع".( droit de poursuite  (

في هذا الواقع الشائك اذن عملت دولة الإستقلال على  استكمال سيادتها وبسط نفوذها على كامل التراب الوطني في وقائع و معارك عدة نذكّر هنا ببعض  منها.

ثانيا: أهم أحداث الجلاء العسكري و معاركه

-22 اكتوبر 1956: اختطاف قيادة جبهة التحرير في طريقهم بالطائرة لحضور قمة مغاربية بتونس بحضور بورقيبة و محمد الخامس ( بن بلّة ، خيضر، بوضياف،لشرف ، آيت أحمد).

-23 اكتوبر1956: الحكومة التونسية تخضع وحدات الجيش الفرنسي للاسترخاص من الدولة التونسية في كل تنقل لها خارج ثكناتها. و من هنا انطلقت معركة السدود.

-25 اكتوبر 1956: في بلدة بوعرقوب السكان يعترضون فرقة من الجيش الفرنسي و يمنعونها من مواصلة السير و وقع تبادل نار بين الطرفين قتل فيه جندي فرنسي و جرح ثلاثة فرنسيين و جرح 6 من بين التونسيين.

- 27 اكتوبر 1956:في حمام الأنف، السكان منعوا قافلة عسكرية من المرور فتم اطلاق النار عليهم فقتل شخصان و جرح 14.

27أكتوبر 1956:في سوق الأربعاء،اعترض السكان قافلة عسكرية قادمة من الجزائرفاطلقت الرصاص على المعترضين و جرحت ثلاثة اشخاص.

27 اكتوبر 1956: في الكاف  وقع اجتياز السد ( البارّاج) الذي وضعه السكان في مستوى بلدة القصور و اطلق الجيش الفرنسي الرصاص على المعترضين فسقط 3 شهداء  و عشرات الجرحى.

27 اكتوبر 1956:في سبيطلة تصادم في مستوى الحاجز الذي وضعه التونسيون  و تبادل الرصاص حيث قتل 3 جنود فرنسيين و جرح 7.

27 اكتوبر 1956: في مارث .تعرض الأهالي لقوات عسكرية فرنسية قادمة من الجنوب و أحرقوا 3 سيارات حربية  و قتل 3 جنود فرنسيين  و استشهد 5 مدنيين من التونسيين.

-27 اكتوبر 1956:في قابس نصب السكان حاجزا على مستوى العودية المعروفة بالبلاكات طريق تونس  و تمّ صدام مع الجيش اسفر عن مقتل جندي تونسي و جرح اربعة مدنيين.

27 اكتوبر 1956: سيدي بوعلي:خرقت القوات الفرنسية  المكونة من 15 وحدة الحاجز الذي اقامه السكان  و ادى تبادل اطلاق النار الى جرح 3 اشخاص من المدنيين و  و جرح جندي فرنسي.

 -1نوفمبر 1956:اعتداء الجيش الفرنسي على متظاهرين بقبلي و كانت الحصيلة قتيل واحد وجريح.

24 نوفمبر 1956: الجيش الفرنسي و تحديا لمنع السلط التونسية ينصب محطة رادار ببئر دراسن بالوطن القبلي و تحصل مشادة مع المتظاهرين  ليستشهد فيه تونسيان و عديد الجرحى.

كما جدت حوادث مماثلة في مطماطة و و دوز و الوسلاتية و تطاوين و الحامة و في  غيرها من المواقع.

-1 سبتمبر 1957:رتل من المدرعات الفرنسية يخترق الحدود التونسية من حيدرة و يطلق النار على فرقة حامية تونسية  و يقتل 4 جنود تونسيين.

-31 ماي 1957: تصادم بين قوات فرنسية مغلقة لمدخل عين دراهم و فرقة من الحرس الوطني و الجيش التونسيين يصحبها كاتب عام وزارة الخارجية خميس الحجري في زيارة تفقد للمهجّرين الجزائريّين بالمنطقة و قد ادى اطلاق الرصاص من القوة الفرنسية الى قتل 10 تونسيين  بمن فيهم الحجري الذي مات متأثرا بجراحه بعد اشهر كما جرح 14 من التونسيين.

-8 فيفري 1958: الطيران الفرنسي ، انتقاما من تضامن التونسيين مع المقاومة الجزائرية، يقنبل قرية ساقية سيدي يوسف الحدودية ، حيث خربت ثلثي البلدة و قتلت ما يزيد عن 100 شخص.

-25ماي 1958: معركة رمادة التي تدخل فيها الطيران الفرنسي و استشهد فيه 20  من التونسيين من بين الجنود و المدنيين من بينهم القائد مصباح الجربوع.

-16 اكتوبر 1959: اثر معركة في تلابت بين مقاومين جزائريين و الجيش الفرنسي تكبد فيها الفرنسيون خسائر فادحة (14 قتيل و 18 جريح)،يستهدف الجيش الفرنسي انتقاما في عملية تمشيط مشيختي أولاد حسين و الحنادرة بمعتمدية فريانة حيث تم حرق مشاتي و تدمير ديار السكان  و ايقاف رجال الدواوير هذه.

خاتمة

في المحصلة  و حسب "السجل القومي لشهداء الوطن" الصادر عن دار العمل في 1978  فان شهداء معارك الجلاء بين 1956 و 1958 بلغ 94 شهيدا علاوة على المائة شهداء ساقية سيدي يوسف (1958)  وأكثر من الألف في معركة  بنزرت (630 رسميا) ، أن الجلاء النهائي للجيش الفرنسي  في 15 اكتوبر 1963 دفع التونسيون ثمنه غاليا دماءً وأعصابًا وأنّ الإستهانة  بمجهودات شعب ضعيف عمل قدر جهده على بناء استقلاله  و تكريس سيادته على وطنه و مهما كانت منقوصة لا تبرر التشكيك في  استقلاله  و الإفتراء على التاريخ.


([1])  Hartmut Elsenhans, La Guerre d’Algérie, 1954-1962. La transition d’une France à l’autre, le passage de la IVe à la Ve République, Paris, Publisud, 2000, p. 438.

([2]) شهادتي الديبلوماسيين التّونسيين نجيب بوزيري بـ : بورقيبة والبورقيبيون وبناء الدولة التونسيّة، زغوان، فترسي، 2001 ص227. وشهادة السيّد عبد الجليل المهيري مسجلة بمعهد تاريخ الحركة الوطنية التونسية. وتمثّل حشد المال خاصّة في لعب الدولة  التونسية دور المحوّل للأموال التي تفد على جبهة التحرير و GPRA من الخارج.

([3]) راجع مثلا تقرير الكمندان قاسي السابق الذكر، ص. 452.