أخبار وطنية مقال رأي/ حركة النهضة: ننقلبُ اليوم على مواقفنا أفضل من نخرج غدا من المشهد
بقلم نورالدين المباركي
في فيفري الفارط قال السيد راشد الغنوشي مُوجها كلامه لأنصار حركته الرافضين للخروج من الحكم، قال " سنفوز في الانتخابات المقبلة" ، وقتها فُهم هذا "الوعد" أنه مجرد خطاب لرفع المعنويات، لكن بتتبع الأداء السياسي لحركة النهضة ما بعد " حكومة الترويكا" ومواقف السيد راشد الغنوشي من الملفات السياسية المطروحة نكتشف أن " سنفوز في الانتخابات المقبلة" ليست خطابا لرفع المعنويات، انما هي الحلقة الرئيسية التي تدور حولها كافة التكتيكات و المناورات السياسية لحركة النهضة.
قد لا يستوعب أنصار وبعض قيادات حركة النهضة وأيضا عديد الفاعلين السياسيين من خارج النهضة هذا التمشي في لحظته ، لكن يبدو أن الصورة واضحة أمام السيد راشد الغنوشي مما جعله يسير في هذا الطريق رغم حجم الضغوطات العنيفة الموجهة ضده داخليا و خارجيا .
تدرك حركة النهضة كما بقية الأحزاب السياسية أن الفوز في أي انتخابات لا يعود فقط الى البرنامج الأفضل والدقيق والمستجيب الى تطلعات الشعب وانما أيضا وأساسا الى الترتيبات والتحالفات والصورة التي يرسمها الحزب السياسي لنفسه لدى الناخبين .
في انتخابات 23 أكتوبر 2011 انتخبت حركة النهضة على قاعدة أن مرشحيها " يخافو ربي" وعانوا الظلم والاضطهاد، وليس على قاعدة برنامج الـ365 نقطة . وانتُخِب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية لتحالفه مع حركة النهضة، وانتُخب آخرون على قاعدة علاقات القرابة والقبلية .
هذه العوامل المحركة للتصويت الانتخابي في البلدن غير الديمقراطية أو التي تتقدم نحو الديقراطية .
خرجت حركة النهضة من تجربة الحكم التي تجاوزت السنتين مُنهكة ومتهرئة وفاقدة لجزء كبير من اشعاعها وحضورها الشعبي مع بروز بوادر تصدع داخلي ، بالإضافة الى تعاطي دولي جديد مع تجربة الاسلام السياسي في الحكم، والأهم من ذلك هو الاستعداد لانتخابات جديدة قد تتم بعد اشهر قليلة .
لا يمكن التعامل مع كل هذه العوامل مُجمّعة إلا بعقلية قيادية حقيقية تنظر للمشهد في شموليته وليس في جزئياته .
في هذه اللحظة تدخل السيد راشد الغنوشي ليُطوّع كل أداء الحركة ومواقفها السياسية للهدف النهائي وهو الفوز في الانتخابات المقبلة وإن تطلب الأمر الانقلاب على مواقف الحركة ومواقفه بـ 180 درجة ، ولسان حاله يقول:" ننقلب اليوم على مواقفنا أفضل من أن نجد أنفسنا في المستقبل خارج المشهد نهائيا" .
من هذه الزاوية نفهم تنظيم الاستفتاء الداخلي حول المؤتمر النهضة المقبل، لتحصين البنية الداخلية للحركة استعدادا للانتخابات المقبلة، ومن هذه الزاوية نفهم أيضا الانقلاب على موقف التحصين السياسي للثورة (راشد الغنوشي في فيفري 2013: " إنّ قانون تحصين الثورة ضروري لمنع ظهور القوى المضادة للثورة" و في ماي 2014 يقول : " لسنا أوصياء على الثورة حتى نحصنها.. فالشعب صاحب الثورة سيحصنها عبر صناديق الاقتراع"). والانقلاب في موقفه من حكومة الكفاءات (في أكتوبر 2013 يقول:" إنّ من ينتظر بقاء الحكومة المقبلة لمدة سنة أو سنتين "واهم"، إنّ أقصى مدة زمنية لبقاء الحكومة الجديدة هو ستة أشهر أي صلاحيتها ستنتهي فور اكتمال كل المواعيد الانتخابية.." و يقول حول الموضوع ذاته في ماي 2014:" لا يمانع في بقاء حكومة مهدي جمعة بعد الانتخابات المقبلة في حال نجاحاها في تحقيق نتائج طيبة")...وغيرها من المواقف .
لا شك أن السيد راشد الغنوشي " سعيد" اليوم بمواقف من كان يسميهم بقوى الثورة المضادة حين يصفونه بالرجل الشجاع. و"سعيد" بالتصريحات التي تقول انه انقذ البلاد من " حمام دم" وبالحملات التي تسوق له انه رجل الحوار والوفاق وبالمواقف الدولية التي تثمن تجربة حركة النهضة في تونس .
سعيد لأنه يرى أمامه أهدافه في "سنفوز في الانتخابات المقبلة" تتحقق شيئا فشيئا، فيما معارضوه مازالوا يتمسكون بجزئيات الأمور.